بالحديبية ورجعوا، وشق عليهم ذلك قال عبد الله بن أبي، وعبد الله بن نفيل، ورفاعة بن الحرث:
والله ما حلقنا، ولا قصّرنا، ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت هذه الآية. فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا أي فعلم الله ما لم تعلموا في الصلح في الحديبية من المصلحة المتجددة، فإن دخولكم في سنتكم سبب لهلاك المؤمنين والمؤمنات فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) أي فجعل الله من قبل ذلك الدخول في مكة، أو جعل الله في المنع عن الوصول إلى مكة، أو جعل الله لأجل صالح الحديبية فتحا سريعا- وهو فتح خيبر- فيقويكم به فإنه كان سببا لإسلام ناس كثيرة تقوى بهم المسلمون فتكون تلك الكثرة سببا لهيبة الكفار، ولمنعهم من قتال المسلمين حين رجعوا إلى مكة في العام القابل، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أي بالقرآن وَدِينِ الْحَقِّ أي وبدين الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي ليعلي الله أو رسوله الدين الحق على كل الأديان بنسخ بعض الأحكام وبإظهار بطلان الباطل، وبتسليط المسلمين على أهل الباطل وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨) على نبوة رسوله بإظهار المعجزات. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ف «محمد» خبر مبتدأ محذوف، أي هو، أي الرسول المرسل بذلك محمد، و «رسول الله» عطف بيان، أو هو مبتدأ و «رسول الله» نعت له مفيد للمدح والموصول بعده عطف عليه، وخبره «أشداء»، و «رحماء»، و «تراهم»، وعلى هذا فلا يحسن الوقف على رسول الله بل على «بينهم» بخلاف الإعراب الأول، فالوقف على «رسول الله» حسن كما إذا جعل خبرا ل «محمد». وَالَّذِينَ مَعَهُ، أي الذين قاموا معه يدعون الكفار إلى دين الله أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ أي هم يظهرون الصلابة لمن خالف دينهم، والرأفة لمن وافقهم في الدين، فإنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تمس ثياب الكفار، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، ولا يرى مؤمن مؤمنا إلّا صافحه وعانقه.
وقرئ «أشداء» و «رحماء» بالنصب على المدح، أو على الحال، فالخبر حينئذ قوله تعالى:
تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً أي تشاهدهم أيها السامع حال كونهم راكعين ساجدين في الصلاة يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً أي يطلبون من الله ثوابا ورضا لتمييز ركوعهم وسجودهم عن ركوع الكفار، وسجودهم، وعن ركوع المرائين وسجودهم. سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ أي علامة سهرهم كائنة في وجوههم كائنة من أثر كثرة السجود بالليل ف «في وجوههم» خبر و «من أثر» حال.
وقرئ «سيمياؤهم» بالياء بعد الميم وبالمد. وقرئ من «آثار السجود» بمد الهمزة والثاء. وقرئ من «إثر السجود» بكسر الهمزة
قال صلّى الله عليه وسلّم: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار»
«١». أي وهذا محقق لمن يعقل ويفرق بين الساهر في الشرب واللعب، والساهر في الذكر واستفادة العلم، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ف «ذلك» مبتدأ و «مثلهم» خبره، و «في التوراة» حال من «مثلهم» والعامل معنى الإشارة، والوقف هنا تام، أي ذلك المذكور من أنهم أشداء على الكفار إلخ صفتهم

(١) رواه السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ٣٦.


الصفحة التالية
Icon