قال الزهري: نزلت هذه الآية في أبي هند خاصة. قال أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم فقالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نزوّج بناتنا موالينا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن عباس: لما كان فتح مكة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلالا حتى علا على ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن أسيد بن أبي الفيض: الحمد لله الّذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم. وقال الحرث بن هشام: ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهل بن عمرو: إن يرد الله شيئا يغيره. وقال أبو سفيان: أنا لا أقول شيئا أخاف أن يخبره به رب السموات. فأتى جبريل النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بما قالوا، فدعاهم، وسألهم عما قالوا فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية زاجرا لهم عن التفاخر بالأنساب، والتكاثر بالأموال، والازدراء بالفقراء. فإن مدار كمال النفوس وتفاوت الأشخاص هو التقوى. قالَتِ الْأَعْرابُ أي أهل البادية: آمَنَّا نزلت هذه الآية في بني أسد أصابتهم سنة شديدة قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأظهروا له الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر طالبين الصدقة، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارها، وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها، ونحن قد جئناك بالأطفال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان أطمعنا، وأكرمنا يا رسول الله فإنّا صدقناك بجميع ما جئت به. فأنزل الله هذه الآية: قُلْ يا أشرف الخلق لهم: لَمْ تُؤْمِنُوا أي لم تصدق قلوبكم، لأنكم لو آمنتم لم تمنوا عليّ فلا تقولوا آمنا. وَلكِنْ أسلمتم أي أظهرتم الانقياد واستسلمتم من السيف والسبي بل قُولُوا أَسْلَمْنا فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادة، وهذا قد حصل، أما الإيمان وهو التصديق المقارن للثقة وطمأنينة القلب لم يحصل لكم وإلّا لما مننتم علي ما ذكرتم، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ أي ولم يدخل حب الإيمان في قلوبكم إلى هذا الوقت فلا يعد إقرار اللسان إيمانا إلّا بموافقة القلب وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بالإخلاص وترك النفاق في السر كما أطعتموهما في العلانية لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا من النقص.
وقرأ الدوري عن أبي عمر «ولا يألتكم» بهمزة ساكنة بعد الياء التحتية وأبدلها السوسي ألفا. وقرأ الباقون بغير همزة ولا ألف. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لكم ما قد سلف ان تبتم رَحِيمٌ (١٤) بما أتيتم به من الطاعة بالتفضل عليكم، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي لم يشكوا في إيمانهم وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله على تكثر أنواعها من العبادات البدنية المحصنة والمالية الصرفة والمشتملة عليهما معا، كالحج والجهاد أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)، أي أولئك الموصوفون بما ذكرهم الذين صدقوا في دعوى الإيمان لا غيرهم.
روي أنه لما نزلت هذه الآية جاءوا وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون، فنزل لتكذيبهم قوله