وذكر، أي عبرة وعظة وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً أي نافعا كثير الخير فَأَنْبَتْنا بِهِ أي بذلك الماء جَنَّاتٍ أي أشجارا كثيرة يقطف ثمارها والأصول باقية. وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) أي حب زرع يحصد كل عام وَالنَّخْلَ وهو جنس مختلط من الزرع والشجر، لأن الثمر فاكهة وقوت بخلاف غيره فإن بعض الثمار فاكهة ولا قوت فيه، وأكثر الزرع قوت، وأيضا إن من النباتات ما يبقى أصلها سنين ولا يحتاج إلى عمل عامل وما لا يبقى أصلها ويحتاج كل سنة إلى عمل عامل وما يبقى أصلها يحتاج كل سنة إلى عمل عامل. باسِقاتٍ أي طوالا أو حوامل. وهي حال مقدرة.
وقرئ «باصقات» بالصاد لأجل القاف لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) أي لتلك النخل كفرى مجتمعة بعضها فوق بعض،
رِزْقاً لِلْعِبادِ أي لنرزقهم. وهذا علة ل «أنبتنا»، والحكمة في تعليل الإنبات بالرزق بعد تعليل الإنبات الأول بالتبصرة والتذكير إشارة إلى أن الواجب على العبد أن يكون انتفاعه بالنباتات من حيث الاستبصار والتذكر أقدم من تمتعه بها من حيث الرزق والحكمة في إطلاق العباد في الرزق، وفي تقييدهم بكونهم منيبين في التبصرة والتذكير، لأن الرزق حصل لكل أحد، والتذكرة لا تكون إلّا لكل منيب فهو يأكل ذاكرا شاكرا للإنعام، ثم التبصرة بالخلق هو الاستدلال بأن القادر على خلق السموات والأرض قادر على خلق الخلق بعد الفناء والتذكرة بالبقاء بالرزق بعد الإعادة هو الاستدلال بأن البقاء في الدنيا يكون بالرزق وبأن القادر على إخراج الأرزاق من النجم والشجر قادر على أن يرزق العبد في الجنة وأن يبقيه فيها، وَأَحْيَيْنا بِهِ أي بذلك الماء بَلْدَةً مَيْتاً أي أرضا جدبة لا نماء فيها أصلا كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) أي مثل خروج النبات من الأرض بالماء خروجهم من القبور يوم القيامة بالمطر الذي كمني الرجال، ومثل تلك الحياة في النبات بالإخراج حياتهم بالبعث من القبور على ما كانوا عليه في الدنيا، كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل قومك قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وهو بئر دون اليمامة، وهم قوم شعيب. وقيل: هم قوم عيسى الذين جاءهم من أقصى المدينة رجل يسعى. وقيل: هم أصحاب الأخدود وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ. وإنما نص عليه لأنه ليس في قادة قومه كافر غيره، لأنه استخف قومه فأطاعوه، فجعل الاعتبار له خاصة وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وإنما قال هاهنا ذلك، لأن لوطا كان مرسلا إلى طائفة من قوم إبراهيم معارف لوط وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ، أي الغيظة وهم قوم شعيب غير أهل مدين وَقَوْمُ تُبَّعٍ وهو كان معتمدا بقومه، كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ أي فالمذكورون كانوا منكرين للحشر، وكل واحد منهم كذب جميع الرسل، فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أي فثبت وعيدي من نصرة الرسل عليهم وإهلاكهم. أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أي قصدنا إيجاد الإنسان وسائر الحيوان وإيجاد السموات والأرض، فعجزنا عنه حتى يتوهم عجزنا عن الإعادة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)، أي إنهم غير منكرين لقدرتنا على اختراع الخلق من العدم، بل هم في شك في إعادة الخلق إلى الحياة بعد