الْيَمِ
أي فأغرقناهم في البحر هُوَ مُلِيمٌ
(٤٠)، أي والحال أن فرعون آت بما يلام عليه من الطغيان،
وَفِي عادٍ أي وفي قوم هود حديث، إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) أي المهلك وقاطع النسل وهو الدبور، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) أي ما تترك هذه الريح شيئا مرت عليه مقصودا وهو عاد وأبنيتهم وعروشهم إلّا جعلته مثل التراب، أو مثل الشيء الهالك وَفِي ثَمُودَ، أي وفي قوم صالح حديث إِذْ قِيلَ لَهُمْ. وقرأ هشام والكسائي بإشمام القاف والباقون بكسرها: تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) أي عيشوا وانتفعوا بالزرع والأبنية، وبلبن الناقة إلى أواخر آجالكم فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ أي فجاوزوا الحد في الاستكبار عن الامتثال بأمر الله تعالى، فقتلوا ناقته، وأرادوا قتل نبيه صالح عليه السلام فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ أي النار التي فيها الصوت الشديد التي حملتها الريح فأوصلتها إلى مسامعهم.
وقرأ الكسائي «الصعقة» بإسكان العين بعد الصاد بدون ألف بينهما وهي المرة من الصيحة المهلكة، وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) أي وهم يعاينون النار التي تنزل من السماء فيها رعد شديد، ولا يقدرون على دفعها. ويقال: أتاهم العذاب بعد إنذارهم بمجيئه بثلاثة أيام وهم ينتظرون مجيئه، فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ أي فعجزوا عن فرار من العذاب وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) أي ممتنعين من العذاب بأبدانهم وبغيرهم، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالجر عطفا على، وفي ثمود على معنى، وفي قوم نوح عبرة لكم من قبل ثمود وعاد وغيرهم، ويقويه قراءة عبد الله، وفي قوم نوح. والباقون بالنصب على تقدير: وأهلكنا قوم نوح من قبل، لأن ما تقدم دل على الهلاك. وقرأ أبو السماك وابن مقسم وأبو عمرو في رواية الأصمعي بالرفع على الابتداء وخبر المبتدأ إما مقدر، أي أهلكناهم أو ما بعده وهو قوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) أي خارجين عن الحدود في الكفر والمعاصي، وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ أي بقوة، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) أي لقادرون ويحتمل أن يقال:
إن هذا إشارة إلى المقصود الآخر وهو البعث للموتى من القبور، كأنه تعالى يقول: بنينا السماء وإنا لقادرون على أن نخلق مثلها. وقيل: إنا لموسعون الرزق على الخلق وَالْأَرْضَ فَرَشْناها، أي بسطناها على الماء ليستقروا عليها، فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) أي فنعم الفارشون نحن وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ أي وخلقنا من كل جنس نوعين من الجوهر متضادين كالذكر والأنثى، أو متشاكلين، فإن كل شيء له نظير، كالعرش والكرسي، واللوح والقلم. لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) أي لكي تتعظوا فيما خلقه الله فتعلمون أن خالق الأزواج فرد لا كثرة فيه فتعبدونه، وأنه لا يعجز عن حشر الأجساد والأرواح، فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ أي إذا علمتم أن الله تعالى فرد لا نظير له وأن هذه المذكورة شؤونه، فاهربوا إليه بالطاعة كي تنجوا من عقابه وتفوزوا بثوابه، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ أي من الله تعالى نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)، ففي الرسالة أمور ثلاثة: المرسل، والرسول، والمرسل إليه. فقوله