آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
(٤٩) أبتلك النعم من وصف الجنة أم بغيرها، فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) أي في كل واحدة منهما عين جارية كيف يشاء صاحبها في الأعالي والأسافل،
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) أبتلك النعم التي ذكرها أم بغيرها؟ فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) أي في كل واحدة من الجنتين نوعان من الفواكه معروف وغريب، أو رطب ويابس وكلاهما حلو يستلذ به فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) أي بتلك النعم أم بغيرها، مُتَّكِئِينَ حال من فاعل «خاف» الذي هو عامل للحال، أو كان عامله وصاحبه ما تدل عليه «فاكهة»، أي يتفكه المتفكون حال كونهم جالسين جلوس المتمكن المتربع، عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها أي التي تلي الأرض مِنْ إِسْتَبْرَقٍ أي ديباج ثخين، وكذا ظهائرها بخلاف أهل الدنيا فلا يجعلون البطائن كالظواهر، لأن غرضهم إظهار الزينة، والبطائن لا تظهر. أما في الآخرة فالأمر مبني على الإكرام والتنعيم فتكون البطائن كالظواهر. وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) أي ثمر الجنتين قريب يناله القاعد والقائم في وقت واحد ومكان واحد، فإن العجائب كلها من خواص الجنة، فكان أشجارها دائرة عليهم سائرة إليهم وهم ساكنون على خلاف ما كان في جنات الدنيا، فإن الإنسان فيها متحرك ومطلوبه ساكن، والولي قد تصير الدنيا له أنموذجا من الجنة، فإنه يكون ساكنا في بيته ويأتيه الرزق متحركا إليه دائرا حواليه، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) أبقدرته على ثني الأغصان وتقريب الثمار أم بغيرها فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ أي في الجنان نساء مانعات أعينهن من النظر إلى غير بعلهن، وللجنة اعتبارات ثلاثة، فلاتصال أشجارها وعدم الأراضي الغامرة كأنها جنة واحدة ولاشتمالها على النوعين ما في الدنيا، وما ليس فيها وما يعرف وما لا يعرف، وما يقدر على وصفه، وما لا يقدر، ولذات جسمانية، ولذات روحانية، كأنها جنتان ولسعتها، وكثرة أماكنها، وأشجارها وأنهارها، كأنها جنات كثيرة، فالضمير هنا عائد إلى الجنتين لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦)، أي لم يجامع الإنسيات أحد من الإنس ولا الجنيات أحد من الجن قبل أزواجهن والمشهور أن الحور العين لسن من نساء أهل الدنيا، وإنما هن مخلوقات في الجنة، فإن أكثر نساء أهل الدنيا مطموثات فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
(٥٧) أي بأي نوع من أنواع هذا الإحسان تنكران كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) أي مشبهات بالياقوت في حمرة الوجنة وبالمرجان بمعنى صغار الدر في بياض البشرة وصفائها، فإن صغار الدر أنصع بياضا من كباره. قيل: إن الحوراء تلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) أي بما جعله مثالا لوصفهن أم بغيره، هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠) ؟ أي ما جزاء الإحسان في العمل إلّا الإحسان في الثواب فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو إليه أيضا.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) أبشيء من هذه النعم الجليلة أم بغيرها وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) أي ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لمن دونهم من أصحاب اليمين فَبِأَيِّ


الصفحة التالية
Icon