عاجزا، فثبت فساد نظام العالم، فكان القول بوجود إلهين باطلا، فثبت أن مدبّر العالم إله واحد، وإذا عرفت حقيقة هذه الدلالة عرفت أن جميع ما في العالم السفلي والعلوي، دليل على وحدانية الله تعالى. فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢). أي نزهوا الله عما يقول الكفار، بوجود آلهة غير الله لأجل هذه الأدلة، فالاشتغال بالتنزيه إنما ينفع بعد إقامة الأدلة على كون الله تعالى منزها فنبّه الله تعالى على نكتة خاصة بعيدة الأصنام وهي:
كيف يجوز للعاقل، أن يجعل الجماد الذي لا يعقل شريكا في الألوهية لخالق العرش العظيم، وموجد السموات والأرضين، واللوح والقلم، ومدبر الخلائق، من النور والظلمة، والنباتات، وأنواع الحيوانات والذات والصفات؟ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ أي عما يحكم في عباده من إعزاز، وإذلال، وهدى، وإضلال، وإسعاد وإشقاء، لأنه المالك القاهر. وَهُمْ أي العباد يُسْئَلُونَ (٢٣). سؤال توبيخ يقال لهم يوم القيامة: لم فعلتم كذا؟ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، والله تعالى ليس له شريك في الألوهية يقول له: لم فعلت كذا؟ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً أي بل أوصفوا الله تعالى بأن له شريكا وهذا استقباح أمرهم وإظهار جهلهم قُلْ يا أكرم الرسل: هاتُوا بُرْهانَكُمْ على إثبات الآلهة إما من جهة العقل أو من جهة النقل، كما أتيت أنا ببرهان النقل المؤيد بالعقل. هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي أي هذا إثبات وحدانية الله عظة أمتي وعظة الأمم الماضية، فهم متمسكون على التوحيد فأقيموا أنتم برهانكم على تعدّد الآلهة، ولا يمكن إثبات التعدد بالبرهان، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ، ولا يميزون بين الحق والباطل، فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) عن استماع الحق، أي أن وقوعهم في المذهب الباطل ليس لأجل دليل ساقهم إليه، بل ذلك لأن عندهم ما هو أصل الفساد، وهو عدم العلم، ثم تفرّع منه الإعراض عن طلب الحق. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)، أي فوحّدوني فالحكمة في بعث الرسل مقصورة على المصلحتين: إثبات وحدانية الله تعالى، وعبادته بالإخلاص.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي: بالنون. والباقون على صيغة الغائب، مبنيا للمفعول.
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً أي وقال فرق من أجناس العرب، وهم: خزاعة، وجهينة، وبنو سلمة، وبنو مليح: الملائكة بنات الله، سُبْحانَهُ أي تنزّه الله تعالى تنزيها لائقا بذاته تعالى بَلْ عِبادٌ أي ليست الملائكة كما قالوا، بل هم عباد الله تعالى. فالعبودية تنافي الولدية، كما أن الولد للإنسان لا يكون عبده. مُكْرَمُونَ (٢٦) أي مقرّبون عنده تعالى، ومفضلون على سائر العباد بالعصمة. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، فإنهم يتبعونه في قوله تعالى ولا يقولون شيئا حتى يقوله، فلا يسبق قولهم قوله وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) أي فلا يعملون عملا ما لم يؤمروا به.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي يعلم ما قدّموا، وما أخّروا من أعمالهم، أي لما علموا كونه