ولا يرتفع عنهم التكليف، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) أي هم أي السابقون إلى الإيمان بالأنبياء عيانا، المجتمعون عليهم جماعة كثيرة من الأمم السالفة من لدن آدم إلى نبينا عليهم السلام وقليل من هذه الأمة، أي إن الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوهم من الأمم الماضية أكثر ممن عاين النبي صلّى الله عليه وسلّم وآمن به، وهذا لا ينافي كون أمة محمد ثلثي أهل الجنة عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) أي موصولة بالذهب والفضة، منسوجة بالدر والياقوت ويقال: أرضها من الذهب الممدود وقوائمها من الجواهر النفيسة مُتَّكِئِينَ عَلَيْها أي السرر، مُتَقابِلِينَ (١٦) فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وهذا وصف لهم بحسن العشرة والآداب، وتهذيب الأخلاق.
ويقال: السابقون هم الذين أجسامهم أرواح نورانية وجميع جهاتهم وجه، يَطُوفُ عَلَيْهِمْ أي يدور حولهم للخدمة وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) أي مبقون أبدا على شكل الولدان، لا يكبرون ولا يلتحون بِأَكْوابٍ، أي بكيزان وهي أوان مستديرة الأفواه بلا عري ولا خراطيم، وَأَبارِيقَ وهي: أوان لها عري وخراطيم وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) أي إناء خمر طاهرة تجري من عيون لا يُصَدَّعُونَ عَنْها أي لا يصيبهم صداع بسبب شربها، وَلا يُنْزِفُونَ (١٩).
قرأ عاصم وحمزة والكسائي بكسر الزاي، أي لا ينفذ شرابهم.
والباقون بفتحها أي «لا يكسرون»، أي لا ينزف عقولهم وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠)، أي مما يختارونه ويأخذون أفضله،
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١). وقرئ «ولحوم طير».
وعن أبي الدرداء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن في الجنة طيرا مثل أعناق البخت تصطف على يد ولي الله فيقول أحدهما: يا ولي، الله رعيت في مروج تحت العرش، وشربت من عيون التنسيم فكل مني، فلا يزلن يفتخرن بين يديه حتى يخطر على قلبه أكل أحدها فيخر بين يديه على ألوان مختلفة فيأكل منها ما أراد، فإذا شبع تجمع عظام الطير فطار يرعى في الجنة حيث شاء». فقال عمر: يا نبي الله، إنها لناعمة. قال: «آكلها أنعم منها»
«١». وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) أي نساء شديدات بياض أجسادهن وشديدات سواد العيون مع سعتها.
وقرأ حمزة والكسائي بالجر عطف على «جنات النعيم» كأنه قيل: هم في جنات وفاكهة، ولحم طير، ومصاحبة حور. والباقون بالرفع عطفا على «ولدان» فلأهل الجنة حور مقصورات معظمات، ولهن جوار وخوادم وحور تطوف مع الولدان السقاة. وقرئ «وحورا عينا» بالنصب، أي ويعطون حورا عينا، كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)
أي المصون الذي لم تقع عليه الشمس

(١) رواه أحمد في (م ٣/ ص ٢٣٦)، والسيوطي في الدر المنثور (٦: ١٥٦)، والقرطبي في التفسير (١٧: ٢٠٤)، وابن مبارك في الزهد ٥٢٥، وابن كثير في التفسير (٧: ٤٩٨)، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (١٠: ٤٩٨) وأبو نعيم في تاريخ أصفهان (٢: ١٨٨).


الصفحة التالية
Icon