البذر بتراب الأرض، ثُمَّ يَهِيجُ أي يجف النبات فَتَراهُ مُصْفَرًّا بعد ما رأيته ناضرا، وقرئ «مصفارا»، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً أي ثم يصير النبات متكسرا، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ لمن كانت حياته بهذه الصفة وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ لأوليائه، وأهل طاعته والرضوان أعظم درجات الثواب، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠) لمن أقبل عليها وأعرض بها عن طلب الآخرة.
قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغرور إن ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم المتاع ونعم الوسيلة
سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي سارعوا إلى سائر ما كلفتم به، فإن المسارعة إلى ذلك تؤدي إلى مغفرة وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، أي لو جعلت السموات السبع والأرضون السبع وألزق بعضها ببعض، لكان عرض الجنة في عرض جميعها، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أي هيئت الجنة للمؤمنين من جميع الأمم، ذلِكَ الموعود به من المغفرة والجنة، فَضْلُ اللَّهِ أي عطاؤه، يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ إيتاءه إياه وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١). وهذا تنبيه على عظم حال الجنة ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ هي قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار، وغلاء الأثمار، وتتابع الجوع وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ وهي الأمراض، والفقر، وذهاب الأولاد، وإقامة الحدود على الأنفس، إِلَّا فِي كِتابٍ أي مكتوب في اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها أي أن نخلق هذه المصائب والأنفس والأرض، إِنَّ ذلِكَ أي إن إثبات كل ذلك مع كثرته في الكتاب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)، وإن كان عسيرا على العباد لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ أي أخبرناكم بذلك لئلا تحزنوا حزنا زائدا على ما في أصل الجبلة على ما فاتكم من نعم الدنيا، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ أي بما أعطاكم الله تعالى منها، فإن من علم أن الكل مقدر لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت. وقرأ أبو عمرو «أتاكم» بقصر الهمزة، أي بما جاءكم من الله. وقرئ «بما أوتيتم»، والمراد: نفي الحزن المانع عن التسليم لأمر الله تعالى، ونفي الفرح الموجب للبطر والاختيال، الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بأداء حق الله تعالى وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ. وذلك نتيجة فرحهم عند إصابة النعم والموصول صفة لكل مختال فخور. وقيل: مستأنف لا تعلق بما قبله وهو مبتدأ خبره محذوف، وهو بيان لصفة اليهود، والمعنى. الذين يبخلون ببيان صفة النبي التي في كتبهم لئلا يؤمن به الناس فتذهب مأكلتهم، ويأمرون الناس بالبخل به لهم تهديد شديد، وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) أي ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه فلا يعود عليه ضرر ببخل البخيل، حميد في ذلك الإعطاء مستحق حيث فتح أبواب نعمته.
وقرأ نافع وابن عامر «فإن الله الغني» بحذف لفظ هو. لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا أي الأنبياء إلى الأمم بِالْبَيِّناتِ أي الدلائل القاهرة والمعجزات الظاهرة، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ أي أنزلنا إليهم الكتاب وهو الذي يتوسل به إلى فعل ما ينبغي من الأفعال النفسانية، لأن به يتميز الحق من


الصفحة التالية
Icon