الخروج منها وكانوا مائة رجل، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً أي فخرجوا منها طالبين منه تعالى رزقا في الدنيا ومرضاة في الآخرة وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بأنفسهم وأموالهم، فإن خروجهم من بين الكفار مهاجرين إلى المدينة نصرة، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) في دينهم، لأنهم هجروا لذات الدنيا وتحملوا شدائدها لأجل الدين.
وعن ابن عباس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من دوركم وأموالكم وأقسم لكم من الغنائم وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم وأقسم الغنيمة بين الفقراء المهاجرين خاصة دونكم» «١». فقالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ولا نشاركهم في الغنيمة فأثنى الله عليهم فقال:
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي والذين هيئوا لدار الهجرة والإيمان وتمكنوا فيهما أشد تمكن من قبل مجيء المهاجرين إليهم، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم لمحبتهم الإيمان، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ أي في قلوبهم حاجَةً أي حزازة وحسدا مِمَّا أُوتُوا أي مما أعطي المهاجرين من الفيء وغيره دونهم، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، أي ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل شيء من أسباب المعاش، ولو كان فيهم فقر وحاجة إلى ما يقدمون به غيرهم، حتى إن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحدا منهم.
روي عن أبي هريرة أن رجلا بات به ضيف ولم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته نوّمي الصبية، وأطفئي السراج، وقربي للضيف ما عندك فنزلت هذه الآية. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ أي ومن يوق بتوفيق الله تعالى حرص نفسه على المال حتى يخالفها في حب المال وبغض الإنفاق، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) أي الظافرون بما أرادوا.
قال ابن زيد: من لم يأخذ شيئا أمر الله بإعطائه فقد وقي شح نفسه. وقرئ «يوق» بالتشديد، وشح بكسر الشين وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد هجرة المهاجرين ومن بعد قوة إيمان الأنصار، يَقُولُونَ أي يدعون لهم: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذنوبنا وَلِإِخْوانِنَا في الدين الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وهو جميع من تقدمهم من المسلمين لا خصوص المهاجرين والأنصار، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا أي حقدا.
وقرئ «غمرا». لِلَّذِينَ آمَنُوا أيا كانوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠) فينبغي للمؤمن أن يذكر السابقين بالدعاء والرحمة، فمن لم يكن كذلك بل ذكرهم بسوء كان خارجا من جملة أقسام المؤمنين بحسب نص هذه الآية،
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا وهم عبد الله بن أبيّ، وعبد الله بن نبتل، ورفاعة بن زيد فإنهم كانوا من الأنصار، ولكنهم نافقوا في دينهم يَقُولُونَ