ذي حقّ حقّه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وَإِنْ كانَ أي العمل مِثْقالَ حَبَّةٍ أي وزن حبة، مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، أي أحضرنا ذلك العمل للوزن.
وقرأ نافع برفع «مثقال» على «إن كان» تامة. وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧). أي محصين في كل شيء. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨). أي والله لقد آتيناهما كتابا جامعا بين كونه فارقا بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل، لما فيه من الشرائع، وذكرا يتعظ به الناس، الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، حال من الفاعل، أي يخشون عذاب ربهم حال كونهم في الخلوات منفردين عن الناس، فخشيتهم من عقاب الله لازم لقلوبهم، لا، إن ذلك مما يظهرونه في الملأ، أو حال من المفعول، أي يخشون عذابه تعالى وهو غائب عنهم، غير مشاهد لهم، فيعلمون له تعالى، وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ أي ما يجري في يوم القيامة من الحساب، والسؤال، والميزان، مُشْفِقُونَ (٤٩) أي خائفون، فيعدلون بسبب ذلك الخوف عن معصية الله تعالى، وَهذا أي القرآن ذِكْرٌ مُبارَكٌ أي كثير النفع غزير العلم، أَنْزَلْناهُ، على أشرف الرسل محمد صلّى الله عليه وسلّم، أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) ؟ أي أبعد أن علمتم أن شأن القرآن، كشأن التوراة، في كونه منزّلا من عندنا، فأنتم يا أهل مكة جاحدون للقرآن، خاصة دون كتاب اليهود، فإنهم كانوا يراجعون اليهود فيما عنّ لهم من المشكلات.
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ، أي اهتداءه لوجوه الصلاح في الدين والدنيا ونبوته، مِنْ قَبْلُ أي من قبل إيتاء موسى وهارون التوراة، وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١)، أي بأنه لائق بما آتيناه، يقوم يحقه، ويجتنب ما ينفّر قومه من القبول. إِذْ قالَ إبراهيم، لِأَبِيهِ آزر، وَقَوْمِهِ: - نمروذ بن كنعان- وأصحابه: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢). أي ما هذه الصور التي أنتم عابدون لها، وكانت تلك الأصنام اثنين وسبعين صنما بعضها من ذهب، وبعضها من فضة، وبعضها من حديد، وبعضها من رصاص، وبعضها من نحاس، وبعضها من حجر، وبعضها من خشب، وكان كبيرها من ذهب، مكللا من جواهر. في عينيه ياقوتتان تتّقدان، تضيئان في الليل. قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣)، فنحن نعبدها اقتداء بهم، فلم يجدوا في جوابه إلّا طريقة التقليد. فأجابهم إبراهيم وأبطله على طريقة التوكيد القسمي بقوله، قالَ لهم إبراهيم: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ الذين سنّوا لكم هذه السنّة الباطلة، فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) أي في خطأ بيّن، بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء ذلك، والتقيّد إنما جاز لمن علم في الجملة أنه على الحق، قالُوا أَجِئْتَنا يا إبراهيم في قولك هذا بِالْحَقِّ إن بالجدّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥) ؟ أي من الممازحين بنا فيه. قالَ إبراهيم: بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ أي خلقهنّ على غير مثال سبق، وهو الذي خلقها لمنافع العباد، وهو الذي يستحق أن يعبد لأن من يقدر على ذلك، يقدر على أن يضر وينفع في الدار الآخرة بالعقاب، والثواب. وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ أي كون ربكم رب


الصفحة التالية
Icon