عثمان: والله لوددت يا رسول الله أن أعلم أي التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها، فنزلت:
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وهذا استئناف كأنهم قالوا: كيف نعمل؟ فقال تعالى: تؤمنون أي تدومون على الإيمان، وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعته بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ أي بنفقة أموالكم وبخروج أنفسكم. والجهاد بعد هذين الوجهين ثلاثة: جهاد فيما بينه وبين نفسه وهو قهر النفس ومنعها عن اللذات والشهوات، وجهاد فيما بينه وبين الخلق، وهو أن يدع الطمع منهم، ويشفق عليهم، ويرحمهم. وجهاد فيما بينه وبين الدنيا، وهو أن يتخذها زادا لمعاده، فيكون الجهاد على خمسة أوجه. وقرئ «آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا». وقرئ «تؤمنوا وتجاهدوا» على إضمار لام الأمر ذلِكُمْ أي الذي أمرتم به من الإيمان والجهاد خَيْرٌ لَكُمْ من أن تتبعوا أهواءكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١)، أي إن كنتم تنتفعون بما علمتم فهو خير لكم، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وهذا جواب قوله: تُؤْمِنُونَ إلخ لما فيه من معنى الأمر وهو بمنزلة الثمن الذين يدفعه المشتري، وقوله:
يَغْفِرْ لَكُمْ إلخ بمنزلة المبيع الذي يأخذه المشتري من البائع في مقابلة الثمن المدفوع له، وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وهي قصبة الجنان والمساكن الطيبة، قصر من لؤلؤة في الجنة، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا في كل سرير سبعون فراشا من كل لون، على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة، فيعطي الله تعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله. ذلِكَ أي الجزاء الذي هو المغفرة وإدخال الجنات الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢)، أي الذي لا فوز وراءه وَأُخْرى وهو إما مرفوع أي ولكم تجارة أخرى في العاجل مع ثواب الآجل، أو منصوب بفعل مضمر إما من نوع الاشتغال أي وتحبون خصلة أخرى في الدنيا مع ثواب الآخرة، أو من نوع معطوف على الجوابين، أي ويعطكم نعمة أخرى، أو مخفوض عطفا على تجارة، تُحِبُّونَها أي تشتهون أن
تكون لكم نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ بمحمد على كفار قريش، وَفَتْحٌ قَرِيبٌ أي عاجل وهو فتح مكة. وقرئ «نصرا من الله وفتحا قريبا». وقوله: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ إلخ مفسر لأخرى وهو ربح للتجارة وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) عطف على «تؤمنون»، لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر المؤمنين يا رسول الله بذلك. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ. قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «أنصارا» منونا و «لله» جارا ومجرورا.
والباقون «أنصار الله» مضافا للجلالة. وقرأ ابن مسعود «كونوا أنتم أنصار الله». كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ والتشبيه باعتبار المعنى، أي كونوا أنصار دين الله كما كان الحواريون أنصاره حين قال لهم عيسى: من أنصاري إلى الله؟ أي من أعواني مع الله على أعدائه، أو المعنى: قل لهم كونوا أنصار دين الله كما قال عيسى لأصفيائه وهم أول من