تعالى غناه عن إيمانهم وطاعتهم حيث أهلكهم ولم يلجئهم إلى ذلك وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن عبادتهم من الأزل حَمِيدٌ (٦)، أي مستحق للحمد بذاته وإن لم يحمده أحد زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا أي أنهم لن يبعثوا بعد موتهم أبدا، قُلْ يا أشرف الخلق لهم: بَلى تبعثون وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ أي لتحاسبن ولتجزون على أعمالكم، وَذلِكَ أي البعث والجزاء عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) لثبوت قدرته التامة فلا يصرفه صارف، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي إذا كان الأمر كذلك، فآمنوا بالله ورسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وهو القرآن، فإنه يهتدى به في الشبهات كما يهتدى بالنور في الظلمات، وذلك لئلا ينزل بك ما نزل بالكفار الماضية من العقوبة، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) فمجاز لكم عليه يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ أي لأجل ما في يوم القيامة من الحساب والجزاء. وسمي بالجمع لأن الله تعالى يجمع فيه الأولين والآخرين من أهل السموات وأهل الأرض، و «يوم» ظرف ل «لتنبؤن». وقرئ «نجمعكم» بنون العظمة ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ أي يوم ظهور غبن كل كافر بترك الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان، وفي الحديث «ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكر، أو ما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة». وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ مع ما جاءت به الرسل من الحشر والنشر والجنة وغير ذلك. وَيَعْمَلْ صالِحاً إلى أن يموت في إيمانه يُكَفِّرْ، أي الله عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ أي تكفير السيئات وإدخال الجنات الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) الذي لا فوز وراءه.
وقرأ نافع وابن عامر «نكفر عنه» و «ندخله» بالنون فيهما. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بوحدانية الله وبقدرته وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أي بالقرآن، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) النار
ما أَصابَ أحدا مِنْ مُصِيبَةٍ دينية أو دنيوية في بدن وأهل ومال، إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بتقديره وإرادته و «من مصيبة» فاعل بزيادة من قيل: وسبب نزول هذه الآية أن الكتاب قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله تعالى عن المصائب في الدنيا، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ بأن يرى المصيبة من الله يَهْدِ قَلْبَهُ عند المصيبة للتسليم لأمر الله فيسترجع.
وقرئ «يهد قلبه» على البناء للمفعول ورفع «قلبه». وقرئ بنصبه على نهج سفه نفسه وقرئ «يهدأ» بالهمزة على وزن يقطع ويخضع، أي يسكن فيسلم لقضاء الله تعالى ويصبر على المصيبة، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) فيعلم اطمئنان القلب عند المصيبة، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أي هونوا المصائب على أنفسكم، واتبعوا الأوامر الصادرة من الله تعالى ومن الرسول فيما دعاكم إليه، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) أي فإن أعرضتم عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه فلا بأس عليه إذ ما عليه إلا التبليغ الظاهر، وقد فعل ذلك. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي الله المستحق للمعبودية لا مستحقا للمعبودية يصح أن يوجد إلا هو وجملة «لا إله إلا


الصفحة التالية
Icon