لكم تحليل أيمانكم بالكفارة، فإذا كفر الحالف صار كمن لم يحلف. وقرئ كفارة أيمانكم، وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ أي حافظكم وناصركم وَهُوَ الْعَلِيمُ بما يصلحكم الْحَكِيمُ (٢) أي المتقن في أفعاله وأحكامه فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا ما تقتضيه الحكمة، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً أي واذكر إذ أخبر النبي حفصة في السر بكلام استكتمها ذلك.
قال ابن عباس: لما رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم الغيرة في وجه حفصة أراد أن يترضاها فأسر إليها بشيئين، تحريم مارية على نفسه والبشارة بأن الخلافة بعده صلّى الله عليه وسلّم في أبي بكر وأبيها عمر، فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ.
قرأ الجمهور بتشديد الراء، أي فلما أخبرت حفصة بسر النبي صلّى الله عليه وسلّم عائشة ظنا منها أنه لا حرج عليها في ذلك، وأطلع الله نبيه على ما أخبرت حفصة عائشة بين النبي لحفصة بعض ما قالت لعائشة من خلافة أبي بكر وعمر وعاتبها على ذلك خوفا من أن ينشر في الناس، فربما أثار حسد بعض المنافقين.
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لها: «ويلك ألم أقل لك اكتمي علي!» قالت: والذي بعثك بالحق نبيا ما ملكت نفسي فرحا بالكرامة التي خصّ الله تعالى بها أبي
. وقرأ الكسائي بالتخفيف أي جازى على ذلك البعض بأن طلق حفصة مجازاة على بعض ما فعلت، وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ أي وسكت عن بعض من تحريم مارية القبطية على نفسه، ولم يلم حفصة على ذكر ذلك حياء وحسن عشرة، فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ أي فلما أخبر النبي حفصة بما قالت لعائشة قالَتْ أي حفصة: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا أي من أخبرك بأني أفشيت السر لعائشة، وقد ظننت أن عائشة هي التي أخبرته.
قالَ أي النبي صلّى الله عليه وسلّم: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) بقولك لعائشة وبقولي لك. إِنْ تَتُوبا يا حفصة ويا عائشة من إيذائكما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إِلَى اللَّهِ تاب الله عليكما فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، إذ قد مالت قلوبهما عن الحق وأحبت ما كرهه النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو اجتنابه جاريته. وقرئ «فقد زاغت». وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ أي وإن تتعاونا أنتما على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالإيذاء لم يضره ذلك التعاون منكما، فإن الله ناصره، وجبريل رئيس الكروبيين وأبو بكر وعمر، كما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس وبه قال عكرمة ومقاتل، وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ أي بعد نصر من ذكر ظَهِيرٌ (٤) أي أعوان له صلّى الله عليه وسلّم فقوله: جِبْرِيلُ عطف على محل اسم «إن» قبل دخولها وكذا «وصالح المؤمنين»، ف «مولاه» خبر عن الكل فيقدر بعد كل واحد منهما، ويجوز أن يكون الكلام عند قوله تعالى:
مَوْلاهُ ويكون «جبريل» مبتدأ وما بعده عطف عليه، و «ظهير» خبرا لجميع. وقرأ الكوفيون «تظاهرا» بتخفيف الظاء وإسقاط إحدى التاءين. والباقون بتشديدها. وقرئ على الأصل أي بالتاءين، وقرئ «تظهرا». عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ. وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال. والباقون وهم أهل الكوفة بسكونها.