الذين يقولون: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف والسنان وَالْمُنْفِقِينَ بالحجة واللسان، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ أي واشدد على كلا الفريقين فيما تجاهدهما من القتال والمحاجة، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) مصيرهم ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي جعل الله مثلا لحال هؤلاء الكفار، امْرَأَتَ نُوحٍ والهة وَامْرَأَتَ لُوطٍ والعة «١» كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما بالكفر، كما قاله عكرمة والضحاك. وعن ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط. وعن ابن عباس كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون، وإذا آمن به أحد أخبرت الجبابرة من قومه وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه، فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي فلم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما عند الله تعالى عن زوجتيهما لما عصتا من عذاب الله شيئا، وذلك تنبيه على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة، وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) أي وتقول لهما خزنة النار: ادخلا النار مع الداخلين في النار
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ أي جعل الله حالها مثلا لحال المؤمنين في أن وصلة الكفرة لا تضر مع الإيمان، واسمها آسية بنت مزاحم آمنت حين سمعت قصة إلقاء موسى عصاه، وتلقف العصا، فعذبها فرعون عذابا شديدا بسبب الإيمان، فإنه أوتدها بأربعة أوتاد، واستقبل بها الشمس، وألقى عليها صخرة عظيمة فقالت: رب نجني من فرعون، فرقى بروحها إلى الجنة، فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، إِذْ قالَتْ- ظرف ل «مثلا» -: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ أي رب ابن لي بيتا قريبا من رحمتك، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ أي من نفسه الخبيثة، وَعَمَلِهِ السيئ، وهو شركه أو جماعه، كما قاله ابن عباس، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) أي من القبط التابعين له في الظلم، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الفواحش فإنها قذفت بالزنا فَنَفَخْنا فِيهِ أي في فرجها، كما قاله البقاعي. وقرئ فيها أي في مريم. وقال الرازي: وقوله تعالى فيه أي في عيسى ومن قرأ فيها في نفس عيسى، مِنْ رُوحِنا أي من روح خلقناه بلا توسط أصلا. والمعنى: أوصلنا إلى فرجها الريح الخارج من نفس جبريل لما نفخ في جيب قميصها، فوصل إليه، فحملت بعيسى، وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها أي بالصحف المنزلة على إدريس وغيره. قال مقاتل: أي بعيسى ويدل عليه قراءة الحسن بكلمة ربها بالإفراد وقرئ «بكلمة الله». وَكُتُبِهِ، وقرأ أبو عمرو وحفص بصيغة الجمع أي بالكتب الأربعة، والباقون و «كتابه» بالإفراد أي وبكتابه المنزل عليه وهو الإنجيل، وقوله تعالى:
وَصَدَّقَتْ بالتخفيف والتشديد على أن مريم جعلت الكلمات والكتب صادقة بمعنى وصفتها بالصدق، وهو معنى التصديق بعينه وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢) أي من القوم المطيعين لله في الشدة والرخاء.