قال الكلبي: هو ما يسيل من أهل النار إذا عذبوا من القيح والدم والصديد، لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ (٣٧) أي المتعمدون للذنوب وهم المشركون. وقرأ الزهري، والعتكي، وطلحة، والحسن «الخاطيون» بياء مضمومة بدل الهمزة. وقرأ نافع- في رواية- وشيبة بطاء مضمومة بدون همز، أي الذين يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩)، و «لا» مزيدة أو أصلية رد لإنكارهم البعث، أي أقسم بما تبصرون يا أهل مكة من شيء، كالسماء والأرض، والشمس والقمر، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم، وما لا تبصرون من شيء، كالجنة والنار، والعرش، والكرسي وجبريل عليه السلام، فالأشياء لا تخرج من قسمين مبصر وغير مبصر. فالأقسام يعم جميع الأشياء على الشمول، إِنَّهُ أي القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) على الله وهو النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وإنما نسب القرآن هنا لرسول الله سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم لأنه الذي أظهره للخلق، ودعا الناس إلى الإيمان به، وجعله حجة لنبوته، ونسب في سورة إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: ١] إلى سيدنا جبريل عليه السلام، لأنه الذي أنزله من السموات إلى الأرض وهو كلام الله تعالى بمعنى أنه تعالى هو الذي أظهره في اللوح المحفوظ، وهو الذي رتبه، ولذا قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: إن القرآن قول الله نزل به جبريل على رسول كريم محمد صلّى الله عليه وسلّم
وَما هُوَ أي القرآن بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) أي ليس هذا القرآن قولا من رجل شاعر، لأنه مباين لصنوف الشعر إلا أنكم لا تقصدون الإيمان به، فلذلك تعرضون عن التدبر ولو قصدتم الإيمان لعلمتم كذب قولكم أنه شعر، ٣ وليس بقول رجل كاهن، لأنه وارد بشتم الشياطين، إلا أنكم لا تتذكرون اشتماله على سب الشياطين، فلذلك تقولون: إنه من باب الكهانة و «ما» مزيدة لتأكيد معنى القلة وانتصب قليلا على أنه نعت لمصدر محذوف، أي تؤمنون إيمانا قليلا وتذكرون تذكرا قليلا فإنهم قد يؤمنون في قلوبهم ويتذكرون بها، إلا أنهم يرجعون عن ذلك سريعا، ولا يتمون الاستدلال كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ [المدثر: ١٨] وقال في آخر الأمران: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر: ٢٤]، وإما نافية فينتفي إيمانهم وتذكرهم ألبتة، أي لا يؤمنون أصلا بأن القرآن من الله ولا يتذكرون أصلا كيفية نظم القرآن.
قال مقاتل: وسبب نزول هذه الآية أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمدا ساحر.
وقال أبو جهل: شاعر.
وقال عقبة: كاهن. فرد الله تعالى عليهم بذلك. وقرأ ابن كثير وكذا ابن عامر على خلاف عن ابن ذكوان بالياء التحتية في «يؤمنون»، و «يذكرون» وخفف ذال «تذكرون» حمزة والكسائي وحفص. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) أي بل هو تنزيل من موجدهم على محمد على وجه التنجيم.
وقرأ أبو السماك «تنزيلا» أي نزل تنزيلا، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) أي ولو نسب محمد إلينا قولا لم نقله، لأخذنا يمينه، ثم لضربنا رقبته، فإن الوتين


الصفحة التالية
Icon