وهذا قول زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد. وقرأ أبي «على الكافرين». ذِي الْمَعارِجِ (٣) أي ذي السموات فهو خالقها كما قاله ابن عباس، وسميت معارج، لأن الملائكة يعرجون فيها.
وقال قتادة أي ذي الفواضل والنعم وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة. وقيل: أي ذي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ وهو جبريل إِلَيْهِ أي إلى انتهاء موضع كرامته تعالى وهو الموضع الذي لا يجري لأحد سواه تعالى فيه حكم. وقيل:
إلى عرشه.
وقرأ الكسائي «يعرج» بالياء التحتية فِي يَوْمٍ من أيامكم كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) من سني الدنيا أي يقطعون في يوم ما يقطعه الإنسان إلى خمسين ألف سنة لو فرض ذلك. وقال وهب: ما بين أسفل العالم إلى أعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة ومن أعلى السماء الدنيا إلى الأرض مسيرة ألف سنة، لأن عرض كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة أخرى.
وقال محمد بن إسحاق: لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش ساروا خمسين ألف سنة. وقوله تعالى: فِي يَوْمٍ متعلق بتعرج كما عليه الأكثرون.
وقال مقاتل: هو متعلق ب «واقع» وقيل: متعلق ب «سال» بغير همزة وهو الذي من السيلان، وعلى هذا فالمراد بذلك اليوم يوم القيامة، والمراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا، ثم يستقر أهل النار في دركات النيران. قال بعضهم:
وهذه المدة واقعة في الآخرة لكن على سبيل التقدير، والمعنى: لو اشتغل بتلك الحكومة والمحاسبة أعقل الخلق وأذكاهم لبقي فيه خمسين ألف سنة، ثم إنه تعالى يتمم ذلك القضاء والحساب في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (٥) أي فاصبر صبرا بلا جزع على استهزاء النضر وأمثاله بك، وعلى تكذيب الوحي، وعلى تعنت كفار مكة في السؤال عليك، فهذا متعلق بقوله تعالى: سَأَلَ ومن قرأ «سال» بألف محضة فمعناه جاء العذاب لقرب وقوعه، فاصبر، فقد جاء وقت الانتقام، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) أي إن الكفار يستبعدون اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة من الإمكان على جهة الإحالة، ونعلمه قريبا من الإمكان هينا في قدرتنا غير متعذر علينا، ويقال: إن كفار مكة يعتقدون العذاب غير واقع يوم القيامة، ونعلمه واقعا لا بد من وقوعه، وهذا تعليل للأمر بالصبر، يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) أي تصير السماء كدردي الزيت، وهذا الظرف متعلق ب «ليس له دافع» أو بما في معناه كيقع، أي يقع العذاب يوم تكون إلخ، أو متعلق ب «قريبا» إذا كان الضمير في نراه للعذاب، وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) أي تصير الجبال كالصوف المصبوغ ألوانا، وإنما وقع التشبيه به، لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش