الآخرة، فإذا وقف في مرض أو فقر كان راضيا به لعلمه أنه فعل الله تعالى، وإذا وجد المال والصحة صرفهما إلى طلب السعادات الأخروية، إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) بأن لا يتركوها في وقت من الأوقات ولا يشغلهم عنا شاغل، وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) أي نصيب معين يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله تعالى وإشفاقا على الناس، لِلسَّائِلِ أي الذي يسأل وَالْمَحْرُومِ (٢٥) أي الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنيا، فيحرم، وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) حيث يتعبون أنفسهم في الطاعات البدنية والمالية طمعا في التوبة الأخروية، فيستدل بذلك على تصديقهم بيوم الجزاء، وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) أي خائفون على أنفسهم مع مالهم من الأعمال الفاضلة استعظاما لجنابه تعالى واستقصارا لأعمالهم الحسنة. إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) فلا ينبغي لأحد أن يأمن عذابه تعالى وإن بالغ في الطاعة، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أي الأربع أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ من الولائد بغير عدد، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) بالاستمتاع بهن
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ أي فمن، طلب لنفسه وراء ما ذكر من الأزواج والمملوكات، فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) أي المجاوزون للحدود، فدخل في هذا حرمة وطء الذكور والبهائم والزنا، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ أي لما ائتمنوا عليه من أمر الدين والدنيا، وَعَهْدِهِمْ فيما بينهم وبين ربهم أو فيما بينهم وبين الناس راعُونَ (٣٢)، أي حافظون بالوفاء.
وقرأ ابن كثير «لأمانتهم» بالإفراد. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣). وقرأ حفص بألف بعد الدال على الجمع. والباقون على التوحيد، أي يقومون بالشهادات بالحق عند الحكام ولا يكتمونها، وهذا الشهادات من جملة الأمانات إلا أنه تعالى خصها من بينها إظهارا لفضلها، لأن في إقامتها إحياء الحقوق، وفي تركها تضييعها.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: والمراد الشهادة بأن الله واحد لا شريك له، وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أي يهتمون بحالها حتى يؤتى بها على أكمل الوجوه أُولئِكَ أي الموصوفون بتلك الصفات الثمانية فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) بالثواب والتحف فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) أي أيّ شيء ثبت لكفار مكة مسرعين جهتك، مادي أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧)، أي مجتمعين فهذه الأربعة أحوال من الموصول.
روي أن المشركين كانوا يحتفون حول النبي صلّى الله عليه وسلّم حلقا حلقا وفرقا فرقا يستمعون منه ويستهزئون بكلامه ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد: فلندخلنها قبلهم فنزلت هذه الآية، أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كما يدخلها المسلمون كَلَّا أي لا يكون ما طمعوا فيه أصلا، لأن ذلك تمن فارغ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) وهو النطفة المذرة فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم؟ ويقولون: لندخلن الجنة قبلهم فكيف يليق دخولهم الجنة لو


الصفحة التالية
Icon