وسؤال الأمم عما أجابوهم لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢). أي يقال: لأي يوم أخرت الأمور المتعلقة بهؤلاء الرسل؟ وهذا القول المقدر إما جواب لإذا، وإما حال من مرفوع أقتت، أي مقولا فيهم، لأي يوم أخرت إليه أمور الرسل، وهو تعذيب الكفرة وتعظيم المؤمنين، وظهور ما كانت الرسل تذكر من أحوال الآخرة وأهوالها، وعلى هذا فجواب إذا مقدر وتقديره: فإذا طمست النجوم إلخ وقع ما توعدون أو بان الأمر، لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) بدل من «لأي»، وهو اليوم الذي يفصل فيه بني الخلائق ويجوز أن يؤخذ من هذا جواب «إذا»، أي وقع الفصل بين الخلائق، أو فحينئذ تقع المجازاة بالأعمال وتقوم القيامة، وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) أي وما علمك يا أشرف الخلق بيوم الفصل وشدته، فالاستفهام الأول: للاستبعاد والإنكار. والاستفهام الثاني: للتعظيم والتهويل والمعنى: أنت الآن في الدنيا لا تعلم ما يوم الفصل أي لا تعلم عظمه وأهواله على سبيل التفصيل، وإن كنت تعلمها جمالا، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أي واد في جهنم من قيح ودم يوم إذ يفصل بين الخلائق للمكذبين بذلك اليوم وبكل ما أخبر الأنبياء عنه، و «ويل» مبتدأ سوغ الابتداء به كونه دعاء ونحوه، سلام عليكم وفائدة العدول إلى الرفع دلالة على دوام الهلاك للمدعو عليهم أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦)، وهم جميع الكفار الذين كانوا قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم والوقف هنا كاف، ثم استأنف الله بقوله: ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) ممن كذبوا الحق من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالإماتة بالتعذيب، وقد وقع ذلك في حق كفار قريش يوم بدر، واستعقبه اللعن في الدنيا والعقوبة الأخروية سرمدا، ويدل على هذا الاستئناف قراءة عبد الله، ثم
سنتبعهم بسين التنفيس، أما قراءة الأعمش والأعرج عن أبي عمرو، ثم نتبعهم بتسكين العين فهو تسكين للتخفيف لا للجزم، فهو مستأنف كالمرفوع لفظا، كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) أي مثل ذلك الفعل الشنيع نفعل بكل من أشرك بالله، فيما يستقبل إما بالسيف وإما بالهلاك فسنتنا جارية على ذلك، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أي هؤلاء وإن أهلكوا وعذبوا في الدنيا فالمصيبة العظمى معدة لهم يوم القيامة.
وقيل: هذا الويل لعذاب الدنيا، فالمعنى: شدة عذاب يوم إذ أهلكناهم للمكذبين بآيات الله وأنبيائه، أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) أي من نطفة قذرة منتنة.
فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) أي في مكان حريز رحم المرأة، إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) لله تعالى أي وقت الولادة، فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) أي قدرنا خلقه في رحم المرأة تقديرا فنعم المقدرون له نحن، فإن إيقاع الخلق على هذا التحديد نعمة من المحدد على المخلوق، أو فقدرنا على تصويره كيف شئنا، فنعم القادرون نحن حيث خلقناه في أحسن الهيئات.
قرأ نافع والكسائي «فقدرنا» بتشديد الدال. والباقون بالتخفيف. وقال علي كرم الله وجهه: «ولا يبعد أن يكون المعنى في التخفيف والتشديد واحد لأن العرب تقول: قدر وقدر عليه الموت». أي فقدرنا بالتخفيف يكون بمعنى قدرنا بالتشديد، ومنه
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الهلال: «إذا