ويحكم ما يريد. قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أي قلوب كثيرة وهي قلوب الكفار يوم إذ يقع النفختان شديدة الاضطراب، وهذه الجملة مبتدأ وخبر، أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) أي أبصار أصحاب هذه القلوب ذليلة، يَقُولُونَ منكرين للبعث متعجبين منه: أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ بعد موتنا فِي الْحافِرَةِ (١٠)، أي في الحالة الأولى. وقرأ أبو حيوة «في الحفرة»، أي أنرد إلى ابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا،
أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) أي متفتتة، نرد ونبعث مع كون تلك العظام أبعد شيء من الحياة. وقرأ حمزة وعاصم «ناخرة» بألف أي فارغة تمر بها الريح، فيسمع لها صوت. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «إذا» على الخبر، قالُوا تِلْكَ أي الرجعة إلى الحياة إِذاً أي إن رددنا إلى الحالة الأولى وصحّ ذلك كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢)، أي رجعة ذات هلاك أي إن الرجعة إن صحت، فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها، وهذا استهزاء منهم فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣)، أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله بل هي سهلة هينة في قدرته، لأنها حاصلة بصيحة واحدة من إسرافيل، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤) أي فإذا هم أحياء على وجه الأرض البيضاء المستوية من أرض الآخرة بعد ما كانوا أمواتا في جوف أرض الدنيا، هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) أي أليس قد أتاك يا أشرف الخلق حديث موسى هذا إن اعتبر إتيانه قبل هذا الكلام، وإلا فالمعنى: هل أتاك يا أكرم الرسل حديثه؟ أنا أخبرك به: إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ ظرف ل «حديث» طُوىً (١٦) وهو اسم واد بالشام، وهو عند الطور بين أيلة ومصر، وإنما سميت «طوى» لكثرة ما مشت عليه الأنبياء.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بضم الطاء غير منون. وقرأ الباقون بضم الطاء منونا.
وروي عن أبي عمرو بكسر الطاء. اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ. عن الحسن قال: كان فرعون علجا من همدان، وعنه أيضا كان من أصبهان، طوله أربعة أشبار، وهو أول من اتخذ القبقاب ليمشي فيه خوفا من أن يمشي على لحيته. وقال مجاهد: كان من أهل إصطخر. وقرأ عبد الله «أن اذهب» لأن في النداء معنى القول، إِنَّهُ طَغى (١٧) أي تجاوز الحد على الخالق، وعلى الخلق، فكفر بالله، وتكبر على بني إسرائيل، فاستعبدهم، فَقُلْ بعد ما أتيته: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) ؟ أي هل لك يا فرعون سبيل إلى أن تصلح فتوحد بالله؟ وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ أي وهل أدعوك إلى معرفة ربك بالبرهان فتعرفه، فَتَخْشى (١٩) فإن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة فمن خشي الله أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) أي فذهب موسى إلى فرعون، فأراه قلب العصاحية،
فَكَذَّبَ فرعون موسى بالقلب واللسان وسمى معجزته سحرا، وَعَصى (٢١) الله تعالى بإظهار التمرد بعد ما علم صحة الأمر حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين، ثُمَّ أَدْبَرَ أي انصرف عن موسى وأعرض عن الإيمان، يَسْعى (٢٢) أي يجتهد في مكايدة موسى، وفي معارضة الآية، فَحَشَرَ، أي فجمع السحرة بالشرط للمعارضة فَنادى (٢٣) في المجمع بنفسه، أو بواسطة المنادي فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)


الصفحة التالية
Icon