أي لا رب فوقي، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) أي فعذبه الله في الآخرة بالإحراق بالنار، وفي الدنيا بالإغراق بالماء. وقيل: فعاقبه الله بكلمته الآخرة وهي قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وبكلمته الأولى وهي قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص: ٣٨] وكان بينهما أربعون سنة، فالله تعالى يمهل ولا يهمل، إِنَّ فِي ذلِكَ أي في قصة فرعون لَعِبْرَةً أي لعظة لِمَنْ يَخْشى (٢٦)، وذلك أن يدع التمرد على الله تعالى، والتكذيب لأنبيائه خوفا من أن ينزل به ما نزل بفرعون، وعلما بأن الله تعالى ينصر رسله، فاعتبروا معاشر المكذبين لمحمد بما ذكرناه، أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ، أي أأنتم يا أهل مكة في خلقكم بعد موتكم أصعب في تقديركم أم خلق السماء على عظمها والوقف هنا تام، بَناها (٢٧) وهذا تفصيل لكيفية خلقها، رَفَعَ سَمْكَها أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض، ومقدار ذهابها في سمت العلو مسافة خمسمائة عام.
واعلم أن امتداد الشيء إذا أخذ من أعلاه إلى أسفله سمي عمقا، وإذا أخذ من أسفله إلى أعلاه سمي سمكا، فَسَوَّاها (٢٨) أي فجعلها مستوية ملساء ليس فيها ارتفاع، ولا انخفاض، ولا تفاوت، ولا فطور، وَأَغْطَشَ لَيْلَها أي جعل الليل مظلما وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) أي وأبرز نهارها، وإنما عبر عن النهار بالضحى، لأنها أكمل أجزاء النهار في الضوء، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ بألفي سنة دَحاها (٣٠)، أي بسطها على الماء،
أَخْرَجَ مِنْها أي الأرض ماءَها، أي عيونها المنفجرة بالماء وأنهارها الجاري ماؤها، وَمَرْعاها (٣١) أي نباتها من العشب والشجر، والثمر، والحب، والعصف، والحطب، واللباس، والدواء حتى النار والملح، فإن النار من العيدان والملح من الماء، وإذا تأملت علمت أن جميع ما يتلذذ الناس به في الدنيا أصله الماء والنبات، وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢)، أي أثبتها على وجه الأرض لتسكن، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) أي إنا خلقنا هذه الأشياء منفعة لكم ولأنعامكم، فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) أي الداهية العظمى أعني يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥)، أي يوم يتذكر كل أحد فيه ما عمله في الدنيا من خير أو شر بأن يشاهده مدونا في صحيفة أعماله وقد كان نسيه من فرط الغفلة، وطول الأمد ويجوز أن يكون يوم بدلا من الطامة الكبرى مبنيا على الفتح لإضافته إلى الفعل على رأي الكوفيين، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ عطف على جاءت، أي أظهرت الجحيم إظهارا بينا لِمَنْ يَرى (٣٦) فيراها كل ذي بصر من المؤمنين والكفار. وقرأ أبو نهيك و «برزت» بالتخفيف. وقرأ ابن مسعود «لمن رأى» فعلا ماضيا. وقرأ زيد ابن علي وعائشة وعكرمة «برزت» مبنيا للفاعل مخففا، و «ترى» بالتاء وهي إما للتأنيث فالضمير ل «الجحيم»، وإما للخطاب أي لمن ترى أنت يا محمد من الكفار الذين يؤذونك، وجواب «إذا» محذوف تقديره انقسم الناس قسمين، فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) أي تمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) أي انهمك فيها،
ولم يستعد للحياة الأخروية بالطاعة، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) له، ويقال: التقدير فإن الجحيم هي المأوى اللائق بمن كان