هذا القرآن حتى تحفظه إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أن ينسى النبي شيئا من القرآن، وهذا الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصير النبي ناسيا لذلك لقدر عليه، وبالجملة ففائدة هذا الاستثناء أن الله تعالى يعرفه قدرة الله حتى يعلم أن عدم النسيان من فضل الله لا من قوته صلّى الله عليه وسلّم، وقال الزجاج: أي إلا ما شاء الله أن ينسى فإنه ينسى ثم يتذكر بعد ذلك فلا ينسى، نسيانا كليا دائما، وقال مقاتل: إلا ما شاء الله أن ينسيه فيكون المعنى إلا ما شاء الله أن تنساه على الأوقات كلها، فيأمرك أن لا تقرأه ولا تصلي به فيصير ذلك سببا لنسيانه وزواله من الصدور. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) أي أنه تعالى عالم بجهرك في القراءة مع قراءة جبريل عليه السلام، وعالم بالسر الذي في قلبك وهو أنك تخاف النسيان فلا تخف فأنا أكفيك ما تخافه، وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) أي نوفقك للطريقة اليسرى في كل أبواب من باب الدين علما وتعليما واهتداء وهداية، فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) أي عظ يا أشرف الرسل الناس بالقرآن واهدهم إلى ما فيه من الأحكام الشرعية كما كنت تفعله إن نفعت الموعظة، فالتذكير العام واجب في أول الأمر، فأما التكرير فإنما يجب عند رجاء حصول المقصود، فلهذا المعنى قيد التذكير بهذا الشرط وقيل «إن» بمعنى إذ كقوله تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، [آل عمران: ١٣٩] سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وهو من قطع بصحة المعاد، ومن جوز وجوده بخلاف من أصر على إنكاره وقطع بأنه لا يكون. قيل: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، وقيل: نزلت في ابن أم مكتوم،
يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
(١١) أي ويتباعد عن الموعظة بالقرآن الأشقى، وهو المعاند الذي لا يلتفت إلى الدعوة ولا يصغي إليها فالفرق ثلاثة: العارف بصحة المعاد، والمتوقف فيه، والمعاند. فالعارف هو السعيد، والمتوقف له بعض الشقاء، والمعاند هو الأشقى، قيل: نزلت هذه الآية في الوليد، وعتبة، وأبي الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) أي الذي يدخل الطبقة السفلى من طبقات النار، ثُمَّ بعد دخوله النار لا يَمُوتُ فِيها حتى يستريح وَلا يَحْيى (١٣) حياة تنفعه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) أي تطهر من دنس الشرك، كما قال ابن عباس أي من قال: لا إله إلا الله، وقال الزجاج: أي من تكثر من التقوى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بقلبه ولسانه فَصَلَّى (١٥) فمراتب أعمال المكلف ثلاثة: إزالة العقائد الفاسدة عن القلب، واستحضار معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأسمائه، والاشتغال بخدمته، وقال بعضهم أي قد فاز من تصدق بصدقة الفطر قبل خروجه إلى المصلى، وكبر الله تعالى، ثم صلى صلاة العيد مع الإيمان فأثنى الله على من فعل ذلك، وإن لم يكن في مكة عيد ولا زكاة فطر لأن ذلك في علم الله سيكون، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) أي أنتم يا كفار مكة لا تفعلون ذلك، بل أنتم ترضون اللذات الفانية وتطمئنون بها وتعرضون عن الآخرة بالكلية، أو أنتم أيها المسلمون لا تكثرون من التقوى، بل تستكثرون من الدنيا الدنية على الاستكثار من الثواب، وقرأ أبو عمرو «يؤثرون» بالياء أي الأشقون، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) أي والحال أن الآخرة خير في نفسها وأدوم لأنها مشتملة على السعادة الجسمانية والروحانية ولذاتها خالصة عن الغائلة إِنَّ هذا أي قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ، لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) أي لثابت معناه فيها صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩).