وجه الأرض في غير أخدود، وتجري لهم كما أرادوا. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) في الهواء لأجل أن يرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما أعطاه ربه في الجنة من النعيم، والملك. قال ابن عباس:
هي سرر ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة في السماء وَأَكْوابٌ أي كيزان مَوْضُوعَةٌ (١٤) بين أيديهم لاستحسانهم إياها بسبب كونها من ذهب، أو فضة، أو من جوهر وتلذذهم بالشراب منها وَنَمارِقُ أي وسائد مَصْفُوفَةٌ (١٥) بعضها إلى جانب بعض أينما أراد أن يجلس جلس على واحدة واستند إلى أخرى وَزَرابِيُّ أي بسط فاخرة مَبْثُوثَةٌ (١٦) أي منشورة مفرقة في المجالس، فلما أخبرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك قال كفار مكة: ائتنا بآية بأن الله أرسلك إلينا رسولا فقال الله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) أي أينكر كفار مكة البعث، ويستبعدون وقوعه من قدرة الله فلا ينظرون إلى الإبل نظر اعتبار كيف خلقت بشدة قوتها، وعجيب هيئتها، وصبرها على الجوع، والعطش، واحتمال المداومة على السير، وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) فوق الأرض بلا عماد ولا إمساك وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) نصبا رضيا على الأرض لا يتزلزل وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) أي بسطت على الماء.
وقرئ «سطحت» مشددا، وقرأ علي رضي الله عنه وكرم وجهه «خلقت» و «رفعت» و «نصبت» و «سطحت» على البناء للفاعل وبتاء المتكلم، فَذَكِّرْ أي فاقتصر على التذكير والحمل على النظر في هذه الأدلة
إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) فلا بأس عليك في أن لا ينظروا بالاعتبار ولا يتذكروا بالافتكار إنما عليك البلاغ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) أي لست يا أشرف الخلق بمتسلط عليهم بأن تجبرهم على الإيمان، وقرأ هشام بالسين، وحمزة بإشمام الصاد كالزاي، والباقون بالصاد الخالصة، وقرئ بفتح الطاء إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣)، وفي هذا الاستثناء قولان:
أحدهما:
إنه استثناء حقيقي وفي هذا احتمالان: إما أن يكون مستثنى من المفعول أي فذكر عبادي إلا من أعرض عن الإيمان وكفر بالقرآن فاستحق العذاب الأكبر، وإما أن يكون مستثنى من الضمير في «عليهم» أي لست عليهم بمسيطر إلا على من انقطع طمعك من إيمانه وتولى عنك وكفر بالله، فإن لله القهر، وسيأمرك بقتالهم، فإن جهاد
الكفار وقتلهم تسليط، فكأنه تعالى أوعدهم بالجهاد في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة.
ثانيهما:
إن هذا الاستثناء منقطع عما قبله والتقدير لست بمستول عليهم، لكن من تولى منهم فإن الله تعالى يعذبه العذاب الأكبر الذي هو عذاب جهنم، وعلامة كون الاستثناء منقطعا حسن دخول «أن» في المستثنى به وإذا كان الاستثناء متصلا لم يحسن ذلك ألا ترى أنك تقول:
عندي مائتان إلا درهما، فلا يحسن عليه دخول أن، وهاهنا يحسن دخول أن فإنك تقول إلا أن من تولى وكفر، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) وسمي العذاب بالأكبر لأنه قد بلغ حد عذاب


الصفحة التالية
Icon