الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى
(١٨) أي وسيبعد عنها المبالغ في اتقاء المعاصي الذي يعطي ماله ويصرفه في وجوه الحسنات طالبا أن يكون ناميا عند الله تعالى لا يريد بذلك رياء ولا سمعة،
وروى الضحاك عن ابن عباس: عذب المشركون بلال بن رباح واسم أمه حمامة، وبلال يقول:
أحد أحد، فمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أحد ينجيك»، ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «يا أبا بكر إن بلالا يعذب في الله» «١» فعرف أبو بكر ما يريده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانصرف إلى منزله فأخذ رطلا من ذهب ومضى به إلى أمية بن خلف، فقال له: أتبيعني بلالا قال: نعم، فاشتراه، فأعتقه، فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله تعالى قوله:
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ أي الأتقى مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) أي لم يفعل أبو بكر ذلك مجازاة لأحد بيد كانت له عنده، لكن فعله ابتغاء وجه الله تعالى.
وقرأ يحيى بن وثاب برفع «الابتغاء» على البدل من محل «نعمة»، فإنه رفع إما على الفاعلية، أو على الابتداء و «من» مزيدة، ويجوز أن يكون مفعولا له لأن المعنى لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة،
وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١) أي ما أنفق أبو بكر إلا لطلب رضوان الله، وبالله لسوف يرضى الله عنه، ولم يكن للنبي ولا لغيره عليه نعمة دنيوية، بل كان أبو بكر هو الذي ينفق على رسول الله، وإنما كان للنبي عليه نعمة الهداية إلى الدين إلا أن هذه نعمة لا يجزى الإنسان بها قال ابن الزبير: كان أبو بكر يشتري الضعفة من العبيد فيعتقهم، فقال له أبوه: يا بني لو كنت تشتري من يمنع ظهرك، فقال: منع ظهري أريد، فأنزل الله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى إلى آخر السورة، وقرئ «يرضى» مبنيا للمفعول.

(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٦: ٣٦١)، والقرطبي في التفسير (٢٠: ٩٣) وفيه: «في بيت رسول الله».


الصفحة التالية
Icon