وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي بالياء التحتية فيكون مناسبا لقوله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ.
وقرأ الباقون بالتاء فيكون التفاتا وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ أي وكم من أهل قرية أخرت إهلاكهم مع استمرارهم على ظلمهم فاغتروا بذلك التأخر ثُمَّ
أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ
(٤٨) أي ثم عاقبت أهل تلك القرية في الدنيا، بأن أنزلت العذاب بهم، ومع ذلك فعذابهم مدخر في الآخرة فإذا رجعوا إليّ بهم ما يليق بأعمالهم قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ أي يا أهل مكة إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) أي إنما أنذركم إنذارا بينا بما أوحي إلي من أنباء الأمم المهلكة وليس بي تعجيل للعذاب ولا تأخير، وإنما بعثت للإنذار فاستهزاؤكم بذلك لا يمنعني منه فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ من الذنوب الصغائر والكبائر وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) أي ثواب حسن في الجنة
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا أي الذين اجتهدوا في إبطال آياتنا حيث قالوا: شعر أو سحر أو أساطير الأولين، مُعاجِزِينَ أي معارضين المؤمنين، فكلما طلب المؤمنون إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله. أو ظانين عجزنا عنهم بأن لا يدركهم عذابنا! وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «معجزين» بتشديد الجيم بعد العين المفتوحة، أي مثبطين الناس عن الإيمان، أو طامعين في عجز الرسول بالمكايد ظانين ذلك. أُولئِكَ الموصوفون بالسعي في إبطال القرآن واعتقاد العجز لله أو للرسول، أو للمؤمنين. أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) أي ملازمو النار الموقدة. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أي إذا قرأ النبي أو الرسول أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، أي في قراءة ذلك النبي أو الرسول. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يرتّل قراءته للقرآن، فارتصد الشيطان سكتته، ونطق بقوله:

«تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى»
محاكيا نغمة النبي صلّى الله عليه وسلّم بحيث يسمعه من دنا إليه، فظنها من قول النبي وأشاعها وفي هذا إخبار من الله تعالى بأن رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه محاكيا صوتهم، فهذا نص في أن الشيطان زاد في قول نبينا صلّى الله عليه وسلّم، لأن نبينا قاله لأنه معصوم. وفي هذه الآية تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه قد حزن بذلك، وشبهت الأصنام بالغرانيق التي هي طيور الماء، التي تعلوا في السماء، وترتفع لاعتقاد الكفار أنها تقرّبهم من الله تعالى وتشفع لهم، وإنما سميت القراءة أمنية لأن القارئ إذا انتهى إلى آية رحمة تمنى حصولها، وإذا انتهى إلى آية عذاب تمنى أن لا يبتلى به فَيَنْسَخُ اللَّهُ أي يزيل ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ أي يثبت الله القرآن لنبيه لكي يعمل بها وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمصالح عباده المخلصين حَكِيمٌ (٥٢) فيما يجري عليهم من الأعمال والأحوال، ومن حكمته تعالى فيما يلقي الشيطان لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك- وهم المنافقون- وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ، وهم المشركون المصرون على جهلهم ظاهرا وباطنا، فيرون الباطل حقا فأثبتوه ونفوا الحق فأبعدهم الله بهذا الامتحان عن حضرته وَإِنَّ الظَّالِمِينَ أي هؤلاء المنافقين والمشركين لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) أي عداوة شديدة.


الصفحة التالية
Icon