خاضعون لنا خادمون كالعبيد لنا، فَكَذَّبُوهُما بالرسالة فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) أي فصاروا من المغرقين في بحر القلزم وَلَقَدْ آتَيْنا بعد إهلاكهم وإنجاء بني إسرائيل مُوسَى الْكِتابَ أي التوراة لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) أي لكي يهتدوا إلى الطريق الحق بالعمل بما فيها من الأحكام، وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ عيسى وَأُمَّهُ آيَةً دالة على عظيم قدرتنا بولادته من غير مسيس بشر، ونطقه في الصغر وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ أي أسكناهما في أرض مرتفعة. فقال عطاء عن ابن عباس: هي بيت المقدس فهو أقرب بقاع الأرض إلى السماء، ويزيد على غيره في الارتفاع ثمانية عشر ميلا.
وقال عبد الله بن سلام: هي دمشق وعليه الأكثرون.
وقرأ ابن عامر، وعاصم بفتح الراء. والباقون بالضم ذاتِ قَرارٍ أي مستوية مبسوطة ذات نعيم وَمَعِينٍ (٥٠) أي ماء ظاهر جار على وجه الأرض.
يا أَيُّهَا الرُّسُلُ نودي بهذا المعنى كل رسول في زمانه ليعتقد السامع أن أمرا نودي له جميع الرسل وأمروا به حقيق أن يعمل به. والمعنى نخبرك يا محمد أنّا أمرنا الرسل المتقدمين وقلنا لهم إلخ، دالا على بطلان ما عليه الرهبان من رفض الطيبات، أي وقلنا لكل رسول: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ أي الحلالات سواء كانت مستلذة أو لا، وَاعْمَلُوا صالِحاً أي عملا صالحا من فرض ونفل. والأكل إذا كان بأمر الشرع لا بأمر الطبع يكون من نتائجه الأعمال الصالحة، إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ من الأعمال الظاهرة والباطنة عَلِيمٌ (٥١) فأجازيكم عليه. وهذا تحذير لهم من الله تعالى من مخالفة ما أمرهم به، وإذا كان هذا تحذيرا للرسل مع علو شأنهم فبأن يكون تحذير الغير هم أولى وَإِنَّ هذِهِ أي العقائد أُمَّتُكُمْ أي دينكم أيها المخاطبون أُمَّةً واحِدَةً أي دينا واحدا، والاختلاف في الشرائع لا يسمى اختلافا في الدين.
وقرأ الكوفيون بكسر همزة «إن» على الاستئناف الداخل فيما خوطب به الرسل والباقون بفتح الهمزة على حذف اللام أي ولأن، وقيل: «العطف على «ما»، أي إني عليم بأن هذه أمتكم.
وقرأ ابن عامر «وإن» بإسكان النون، فاسمها ضمير الشأن و «هذه» مبتدأ، و «أمتكم» خبر و «أمة» حال لازمة وَأَنَا رَبُّكُمْ من غير أن يكون لي شريك في الربوبية فَاتَّقُونِ (٥٢) أي فأطيعوني، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً أي فجعل أتباع الأنبياء أمر دينهم مع اتحاده قطعا متفرقة وأديانا مختلفة بينهم ف «زبرا» جمع زبرة بمعنى قطعة كغرفة وغرف، فهو حال من «أمرهم»، أو من واوا «تقطعوا». كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) أي كل فريق منهم معجبون بما اتخذوه دينا فيرى كل منهم أنه المحق الرابح، وأن غيره المبطل الخاسر فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أي اترك يا أشرف الخلق كفار مكة في جهلهم إلى موتهم على الكفر أو إلى مجيء عذابهم بالقتل وغيره. أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ أي أيظنون أن الذي نعطيهم إياه من المال والبنين نسارع به لهم في إكرامهم ليكونوا فارغي البال من غير اشتغال بالتكاليف. بَلْ