ولقد أبان الشيخ محمد بن سليمان البسام عوار تلك التعقبات بيانا شافيا في رسالة مستقلة عنوانها: (كشف الستار عن تلفيق وتعليق النجار على تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي).
وذكر أمثلة كثيرة دالة على أخطاء النجار فيما زعمه من أخطاء وقع فيها الشيخ -رحمه الله- وأكتفي بالإحالة على تلك الرسالة الماتعة، ففيها نقد علمي قوي لأخطاء ظاهرة وقع فيها النجار وأشير هنا إلى ثلاث تعقبات فقط أبين من خلالها شيئا يسيرا من سوء صنيع النجار، وأما التعقبات التي تحتاج إلى نقد علمي فأحيل فيها إلى رسالة الشيخ محمد البسام.
١- وقوع النجار في الخطأ ثم تخطئة الشيخ رحمه الله به:
قال الشيخ -رحمه الله- في تفسيره قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ "أي نكاحا صحيحا ويطأها؛ لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحا، ويدخل فيه العقد والوطء، وهذا بالاتفاق) هكذا في النسختين وفي الطبعة السلفية التي اعتمد عليها النجار، ولكنه أسقط (إلا) فصارت العبارة: "لأن النكاح الشرعي لا يكون صحيحا" وهذا فعله، وليس فعل الشيخ -رحمه الله- ثم قال النجار في الهامش قوله: "لأن النكاح الشرعي إلخ" في العبارة اضطراب، والصواب أن يقال: "لأن النكاح الشرعي الصحيح، يدخل فيه العقد والوطء بإجماع العلماء" فأخطأ النجار ثم خطأ الشيخ، وعدل خطأ الشيخ بزعمه.
٢- إقحام تعليقات لا محل لها فمن ذلك. قال الشيخ -رحمه الله- "والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك تحت المشيئة والحكمة". قال النجار: (وفي هذا المعنى قال صاحب جوهرة التوحيد: ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لربه
٣- الاستدراك في غير محله: قال الشيخ -رحمه الله- "فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة وزيادة في النعم المفقودة". قال في الهامش قوله: "فالشكر فيه بقاء النعم.. إلخ " عبر العلماء عن هذا المعنى بقولهم: "الشكر قيد للموجود، وصيد للمفقود" (١) فكأنه خطأ الشيخ في اختيار اللفظ وليس هذا بخطأ بل الأمر واسع في اختيار اللفظ المناسب.
الملحظ الخامس:
سوء توزيع النص
حيث قام بإعادة توزيع النص إلى فقرات وعمد إلى أن تكون تلك الفقرات قصيرة جدا وعليه فقد فرق أجزاء الجملة بين الأسطر، وقطع الكلام عن سياقه إذ نجد فعل الشرط في سطر وجوابه في آخر، والمعلول في سطر وتعليله في آخر، ولذلك تضخم التفسير جدا مع أن صفحاته يمكن أن تكون أقل من ذلك بكثير، والله أعلم بالهدف من وراء ذلك التضخيم.
إن هذه الملاحظ ليست إلا أمثلة دالة على أن عمل النجار لم يكن عملا أمينا على هذا التفسير.
وبمجمل هذا العرض يتضح أن التفسير لم يخرج بصورته التي كتبها الشيخ - رحمه الله- إذ جميع الطبعات كانت نسخا مكرورة عن طبعة النجار، التي اعتمد فيها صاحبها على الطبعة السلفية، والطبعة السلفية اعتمدت على النسخة الثانية التي لم تكن بخط الشيخ وكان فيها بعض النقص وبعض التحريف من النساخ.
ولما كان الأمر بهذه الصورة التي تظهر الحاجة الماسة إلى إخراج هذا التفسير المبارك إخراجا علميا مصححا كما أراده الشيخ رحمه الله فقد عمدت إلى العمل ثلاث سنين في هذا الكتاب راجيا أن يكون العمل

(١) (١/ ١٧٥).


الصفحة التالية
Icon