﴿٢١﴾ ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾.
أي: لا أعظم ظلما وعنادا، ممن كان فيه أحد الوصفين، فكيف لو اجتمعا، افتراء الكذب على الله، أو التكذيب بآياته، التي جاءت بها المرسلون، فإن هذا أظلم الناس، والظالم لا يفلح أبدا.
ويدخل في هذا، كل من كذب على الله، بادعاء (١) الشريك له والعوين، أو [زعم] أنه ينبغي أن يعبد غيره أو اتخذ له صاحبة أو ولدا، وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل أو مَنْ قام مقامهم. ﴿٢٢ - ٢٤﴾ ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.

(١) كذا في ب، وفي أ: الدعاء.

يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة، وأنهم يسألون ويوبخون فيقال لهم ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أي إن الله ليس له شريك، وإنما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء. ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ أي: لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤالإلا إنكارهم لشركهم وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين. ﴿انْظُرْ﴾ متعجبا منهم ومن أحوالهم ﴿كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: كذبوا كذبا عاد بالخسار على أنفسهم وضرهم -والله- غاية الضرر ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ من الشركاء الذين زعموهم مع الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ﴿٢٥﴾ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾.
أي: ومن هؤلاء المشركين، قوم يحملهم بعضَ الأوقات، بعضُ الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه، ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع، لعدم -[٢٥٤]- إرادتهم للخير ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أي: أغطية وأغشية، لئلا يفقهوا كلام الله، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. ﴿وَفِي آذَانِهِمْ﴾ جعلنا ﴿وَقْرًا﴾ أي: صمما، فلا يستمعون ما ينفعهم.
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ وهذا غاية الظلم والعناد، أن الآيات البينات الدالة على الحق، لا ينقادون لها، ولا يصدقون بها، بل يجادلون بالباطل الحقَّ ليدحضوه.


الصفحة التالية
Icon