﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ﴾ أي: الخصب وإدرار الرزق ﴿قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ أي: نحن مستحقون لها، فلم يشكروا الله عليها ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ أي: قحط وجدب ﴿يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ أي: يقولوا: إنما جاءنا بسبب مجيء موسى، واتباع بني إسرائيل له.
قال الله تعالى: ﴿أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: بقضائه وقدرته، ليس كما قالوا، بل إن ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك، بل ﴿أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي: فلذلك قالوا ما قالوا.
﴿وَقَالُوا﴾ مبينين لموسى أنهم لا يزالون، ولا يزولون عن باطلهم: ﴿مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي: قد تقرر عندنا أنك ساحر، فمهما جئت بآية، جزمنا أنها سحر، فلا نؤمن لك ولا نصدق، وهذا غاية ما يكون من العناد، أن يبلغ بالكافرين إلى أن تستوي عندهم الحالات، سواء نزلت عليهم الآيات أم لم تنزل.
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ أي: الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم، وأضر بهم ضررا كثيرا ﴿وَالْجَرَادَ﴾ فأكل ثمارهم وزروعهم، ونباتهم ﴿وَالْقُمَّلَ﴾ قيل: إنه الدباء، أي: صغار الجراد، والظاهر أنه القمل المعروف ﴿وَالضَّفَادِعَ﴾ فملأت أوعيتهم، وأقلقتهم، وآذتهم أذية شديدة ﴿وَالدَّمَ﴾ إما أن يكون الرعاف، أو كما قال كثير من المفسرين، أن ماءهم الذي يشربون انقلب دما، فكانوا لا يشربون إلا دما، ولا يطبخون إلا بدم.
﴿آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ﴾ أي: أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين، وعلى أن ما جاء به موسى، حق وصدق ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ لما رأوا الآيات ﴿وَكَانُوا﴾ في سابق أمرهم ﴿قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ فلذلك عاقبهم الله تعالى، بأن أبقاهم على الغي والضلال.
﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ أي: العذاب، يحتمل أن المراد به: الطاعون، كما قاله كثير من المفسرين، ويحتمل أن يراد به ما تقدم من الآيات: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، فإنها رجز وعذاب، وأنهم كلما أصابهم واحد منها ﴿قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ﴾ أي: تشفعوا بموسى بما عهد الله عنده من الوحي والشرع، ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وهم في ذلك كذبة، لا قصد لهم إلا زوال ما حل بهم من العذاب، وظنوا إذا رفع لا يصيبهم غيره.
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ﴾ أي: إلى مدة قدر الله بقاءهم إليها، وليس كشفا مؤبدا، وإنما هو مؤقت، ﴿إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ﴾ العهد الذي عاهدوا عليه موسى، ووعدوه بالإيمان به، وإرسال بني إسرائيل، فلا آمنوا به ولا أرسلوا معه بني إسرائيل، بل استمروا على كفرهم يعمهون، وعلى تعذيب بني إسرائيل دائبين.
﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ أي: حين جاء الوقت المؤقت لهلاكهم، أمر الله موسى أن يسري ببني إسرائيل ليلا وأخبره أن فرعون سيتبعهم هو وجنوده ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ يجمعون الناس ليتبعوا بني إسرائيل، وقالوا لهم: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِين * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ *ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ﴾.
وقال هنا: ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ أي: بسبب تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عما دلت عليه من الحق.
﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ في الأرض، أي: بني إسرائيل الذين كانوا خدمة لآل -[٣٠٢]- فرعون، يسومونهم سوء العذاب أورثهم الله ﴿مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾ والمراد بالأرض هاهنا، أرض مصر، التي كانوا فيها مستضعفين، أذلين، أي: ملكهم الله جميعا، ومكنهم فيها الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾ حين قال لهم موسى: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ من الأبنية الهائلة، والمساكن المزخرفة ﴿وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon