﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا﴾.
﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ﴾ أي: يعظم ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾ لتسلموا بذلك على زعمكم من أن تنالكم قدرة الله أو تنفذ فيكم مشيئته، فإنكم غير معجزي الله في أي حالة تكونون وعلى أي وصف تتحولون، وليس لكم في أنفسكم تدبير في حالة الحياة وبعد الممات.
فدعوا التدبير والتصريف لمن هو على كل شيء قدير وبكل شيء محيط.
﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ حين تقيم عليهم الحجة في البعث: ﴿مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فكما فطركم ولم تكونوا شيئا مذكورا فإنه سيعيدكم خلقا جديدا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ أي: يهزونها إنكارا وتعجبا مما قلت، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ﴾ أي: متى وقت البعث الذي تزعمه على قولك؟ لا إقرار منهم لأصل البعث بل ذلك سفه منهم وتعجيز. ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ فليس في تعيين وقته فائدة، وإنما الفائدة والمدار على تقريره والإقرار به وإثباته وإلا فكل ما هو آت فإنه قريب.
﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ للبعث والنشور وينفخ في الصور ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ أي: تنقادون لأمره ولا تستعصون عليه. وقوله: ﴿بحمده﴾ أي: هو المحمود تعالى على فعله ويجزي به العباد إذا جمعهم ليوم التناد.
﴿وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا﴾ من سرعة وقوعه وأن الذي مر عليكم من النعيم كأنه ما كان.
فهذا الذي يقول عنه المنكرون: ﴿متى هو﴾ ؟ يندمون غاية الندم عند وروده ويقال لهم: ﴿هذا الذي كنتم به تكذبون﴾
﴿٥٣-٥٥﴾ ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا * وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾.
وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال:
﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما.
والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره.
وقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ﴾ أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.
فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم ﴿ليكونوا من أصحاب السعير﴾
وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ من أنفسكم فلذلك لا يريد لكم إلا ما هو الخير ولا يأمركم إلا بما فيه مصلحة لكم وقد تريدون شيئا والخير في عكسه.
﴿إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ فيوفق من شاء لأسباب الرحمة ويخذل من شاء فيضل عنها فيستحق العذاب.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا﴾ تدبر أمرهم وتقوم بمجازاتهم وإنما الله هو الوكيل وأنت مبلغ هاد إلى صراط مستقيم.
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ من جميع أصناف الخلائق فيعطي كلا منهم ما يستحقه تقتضيه حكمته ويفضل بعضهم على بعض في جميع الخصال الحسية والمعنوية كما فضل بعض النبيين المشتركين بوحيه على بعض بالفضائل والخصائص الراجعة إلى ما من به عليهم من الأوصاف الممدوحة والأخلاق المرضية والأعمال الصالحة وكثرة الأتباع ونزول الكتب على بعضهم المشتملة على الأحكام الشرعية والعقائد المرضية، كما أنزل على داود زبورا وهو الكتاب المعروف.
فإذا كان تعالى قد فضل بعضهم على بعض وآتى بعضهم كتبا فلم ينكر المكذبون لمحمد ﷺ ما أنزله الله عليه وما فضله به من النبوة والكتاب.
﴿٥٦-٥٧﴾ ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾.
يقول تعالى: ﴿قُلْ﴾ للمشركين بالله الذين اتخذوا من دونه أندادا يعبدونهم كما يعبدون الله ويدعونهم كما يدعونه ملزما لهم بتصحيح ما زعموه واعتقدوه إن كانوا صادقين:
﴿ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ آلهة من دون الله فانظروا هل ينفعونكم أو -[٤٦١]- يدفعون عنكم الضر، فإنهم لا ﴿يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ﴾ من مرض أو فقر أو شدة ونحو ذلك فلا يدفعونه بالكلية، ﴿وَلا﴾ يملكون أيضا تحويله من شخص إلى آخر من شدة إلى ما دونها.
فإذا كانوا بهذه الصفة فلأي شيء تدعونهم من دون الله؟ فإنهم لا كمال لهم ولا فعال نافعة، فاتخاذهم آلهة نقص في الدين والعقل وسفه في الرأي.
ومن العجب أن السفه عند الاعتياد والممارسة وتلقيه عن الآباء الضالين بالقبول يراه صاحبه هو الرأي: السديد والعقل المفيد.
ويرى إخلاص الدين لله الواحد الأحد الكامل المنعم بجميع النعم الظاهرة والباطنة هو السفه والأمر المتعجب منه كما قال المشركون: ﴿أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب﴾
ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ من الأنبياء والصالحين والملائكة ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ أي: يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته، ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب.
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ أي: هو الذي ينبغي شدة الحذر منه والتوقي من أسبابه.
وهذه الأمور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده هي الأصل والمادة في كل خير.
فمن تمت له تمت له أموره وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور.
وعلامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب.