﴿٦٢-٦٦﴾ ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ * وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ * وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ﴾.
هذا إخبار من الله تعالى، عما يسأل عنه الخلائق يوم القيامة، وأنه يسألهم عن أصول الأشياء، وعن عبادة الله وإجابة رسله، فقال: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ أي: ينادي من أشركوا به شركاء يعبدونهم، ويرجون نفعهم، ودفع الضرر عنهم، فيناديهم، ليبين لهم عجزها وضلالهم، ﴿فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾ وليس لله شريك، ولكن ذلك بحسب زعمهم وافترائهم، ولهذا قال: ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ فأين هم، بذواتهم، وأين نفعهم وأين دفعهم؟
ومن المعلوم أنه (١) يتبين لهم في تلك الحال، أن الذي عبدوه، ورجوه باطل، مضمحل في ذاته، وما رجوا منه، فيقرون على أنفسهم بالضلالة والغواية.
ولهذا ﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ الرؤساء والقادة، في الكفر والشر، مقرين بغوايتهم وإغوائهم: ﴿رَبَّنَا هَؤُلاءِ﴾ التابعون ﴿الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾ أي: كلنا قد اشترك في الغواية، وحق عليه كلمة العذاب.
﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ﴾ من عبادتهم، أي: نحن برآء منهم ومن عملهم. ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ وإنما كانوا يعبدون الشياطين.
﴿وَقِيلَ﴾ لهم: ﴿ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾ على ما أملتم فيهم من النفع فأمروا بدعائهم في ذلك الوقت الحرج، الذي يضطر فيه العابد إلى من عبده.
﴿فَدَعَوْهُمْ﴾ لينفعوهم، أو يدفعوا عنهم من عذاب الله من شيء. ﴿فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ فعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين مستحقين للعقوبة، ﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾ الذي سيحل بهم عيانا، بأبصارهم بعد ما كانوا مكذبين به، منكرين له.
﴿لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ﴾ أي: لما حصل عليهم ما حصل، ولهدوا إلى صراط الجنة، كما اهتدوا في الدنيا، ولكن لم يهتدوا، فلم يهتدوا.
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ هل صدقتموهم، [واتبعتموهم] أم كذبتموهم وخالفتموهم؟
﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ﴾ أي: لم يحيروا عن هذا السؤال جوابا، ولم يهتدوا إلى الصواب.
ومن المعلوم أنه لا ينجى في هذا الموضع إلا التصريح بالجواب الصحيح، المطابق لأحوالهم، من أننا أجبناهم بالإيمان والانقياد، ولكن لما علموا تكذيبهم لهم وعنادهم لأمرهم، لم ينطقوا بشيء، ولا يمكن أن يتساءلوا ويتراجعوا بينهم في ماذا يجيبون به، ولو كان كذبا.
﴿٦٧﴾ ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾.
لما ذكر تعالى سؤال الخلق عن معبودهم وعن رسلهم، ذكر الطريق الذي ينجو به العبد من عقاب الله تعالى، وأنه لا نجاة إلا لمن اتصف بالتوبة من الشرك والمعاصي، وآمن بالله فعبده، وآمن برسله فصدقهم، وعمل صالحا متبعا فيه للرسل، ﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ﴾ من جمع هذه الخصال ﴿مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ الناجحين بالمطلوب، الناجين من المرهوب، فلا سبيل إلى الفلاح بدون هذه الأمور.
﴿٦٨-٧٠﴾ ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
هذه الآيات، فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات، ونفوذ مشيئته بجميع البريات، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه، من الأشخاص، والأوامر [والأزمان] والأماكن، وأن أحدا (١) ليس له من الأمر والاختيار شيء، وأنه تعالى منزه عن كل ما يشركون به، من الشريك، والظهير، والعوين، والولد، والصاحبة، ونحو ذلك، مما أشرك به المشركون، وأنه العالم بما أكنته الصدور وما أعلنوه، وأنه وحده المعبود المحمود في الدنيا والآخرة، على ماله من صفات الجلال والجمال، وعلى ما أسداه إلى خلقه من الإحسان والإفضال.
وأنه هو الحاكم في الدارين، في الدنيا، بالحكم القدري، الذي أثره جميع ما خلق وذرأ، والحكم الديني، الذي أثره جميع الشرائع، والأوامر والنواهي.
وفي الآخرة يحكم بحكمه القدري والجزائي، ولهذا قال: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
-[٦٢٣]-
فيجازي كلا منكم بعمله، من خير وشر.