﴿٢٦ - ٢٧﴾ ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾.
يعني: أولم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول، ويهدهم إلى الصواب. ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ﴾ الذين سلكوا مسلكهم، ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ فيشاهدونها عيانًا، كقوم هود، وصالح، وقوم لوط.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾ يستدل بها، على صدق الرسل، التي جاءتهم، وبطلان ما هم عليه، من الشرك والشر، وعلى أن من فعل مثل فعلهم، فُعِلَ بهم، كما فُعِلَ بأشياعه من قبل.
وعلى أن الله تعالى مجازي العباد، وباعثهم للحشر والتناد. ﴿أَفَلا يَسْمَعُونَ﴾ آيات الله، فيعونها، فينتفعون بها، فلو كان لهم سمع صحيح، وعقل رجيح، لم يقيموا على حالة (١) يجزم بها، بالهلاك.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ بأبصارهم نعمتنا، وكمال حكمتنا ﴿أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ﴾ التي لا نبات فيها، فيسوق الله المطر، الذي لم يكن قبل موجودًا فيها، فيفرغه فيها، من السحاب، أو من الأنهار. ﴿فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا﴾ أي: نباتًا، مختلف الأنواع ﴿تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ﴾ وهو نبات البهائم ﴿وَأَنْفُسهمْ﴾ وهو طعام الآدميين.
﴿أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾ تلك المنة، التي أحيا الله بها البلاد والعباد، فيستبصرون فيهتدون بذلك البصر، وتلك البصيرة، إلى الصراط المستقيم، ولكن غلب عليهم العمى، واستولت عليهم الغفلة، فلم يبصروا في ذلك، بصر الرجال، وإنما نظروا إلى ذلك، نظر الغفلة، ومجرد العادة، فلم يوفقوا للخير.

(١) كذا في ب، وفي أ: على حالة لم يجزم، والصواب -والله أعلم- حذف لم.

﴿٢٨ - ٣٠﴾ ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾.
أي: يستعجل المجرمون بالعذاب، الذي وعدوا به على التكذيب، جهلا منهم ومعاندة.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾ الذي يفتح بيننا وبينكم، بتعذيبنا على زعمكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ أيها الرسل ﴿صَادِقِينَ﴾ في دعواكم.
﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ الذي يحصل به عقابكم، لا تستفيدون به شيئًا، فلو كان إذا حصل، حصل إمهالكم، لتستدركوا ما فاتكم، حين صار الأمر عندكم يقينًا، لكان لذلك وجه، ولكن إذا جاء يوم الفتح، انقضى الأمر، ولم يبق للمحنة محل فـ ﴿لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ﴾ لأنه صار إيمان ضرورة، ﴿وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فيستدركون أمرهم.
﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ لما وصل خطابهم إلى حالة الجهل، واستعجال العذاب. ﴿وَانْتَظِرْ﴾ الأمر الذي يحل بهم، فإنه لا بد منه، ولكن له أجل، إذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر. ﴿إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ بك ريب المنون، ومتربصون بكم دوائر السوء، والعاقبة للتقوى.
تم تفسير سورة السجدة - بحول الله ومنه فله تعالى كمال الحمد والثناء والمجد.
تفسير سورة الأحزاب وهي مدنية
﴿١ - ٣﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾.
أي: يا أيها الذي منَّ الله عليه بالنبوة، واختصه بوحيه، وفضله على سائر الخلق، اشكر نعمة ربك عليك، باستعمال تقواه، التي أنت أولى بها من غيرك، والتي يجب عليك منها، أعظم من سواك، فامتثل أوامره ونواهيه، وبلغ رسالاته، وأدِّ إلى عباده وحيه، وابذل النصيحة للخلق.
ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد، ولا يردك عنه راد، فلا تطع كل كافر، قد أظهر العداوة لله ورسوله، ولا منافق، قد استبطن التكذيب والكفر، وأظهر ضده.
فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة، فلا تطعهم في بعض الأمور، التي تنقض التقوى، وتناقضها، ولا تتبع أهواءهم، فيضلوك عن الصواب.
﴿وَ﴾ لكن ﴿اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ فإنه هو الهدى والرحمة، وَارْجُ بذلك ثواب ربك، فإنه بما تعملون خبير، يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم، من الخير والشر.
فإن وقع في قلبك، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة، حصل عليك منهم ضرر، أو حصل نقص في هداية الخلق، فادفع ذلك عن نفسك، واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره، وهو التوكل على الله، بأن تعتمد على ربك، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة، ولا نشورًا، في سلامتك من شرهم، وفي إقامة الدين، الذي أمرت به، وثق بالله في حصول ذلك الأمر على أي: حال كان.
﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾ توكل إليه الأمور، فيقوم بها، وبما هو أصلح للعبد، وذلك لعلمه بمصالح عبده، من حيث لا يعلم العبد، وقدرته على إيصالها إليه، من حيث لا يقدر عليها العبد، وأنه أرحم بعبده من نفسه، ومن والديه، وأرأف به من كل أحد، -[٦٥٨]- خصوصًا خواص عبيده، الذين لم يزل يربيهم ببره، ويُدِرُّ عليهم بركاته الظاهرة والباطنة، خصوصًا وقد أمره بإلقاء أموره إليه، ووعده، فهناك لا تسأل عن كل أمر يتيسر، وصعب يسهل، وخطوب تهون، وكروب تزول، وأحوال وحوائج تقضى، وبركات تنزل، ونقم تدفع، وشرور ترفع.
وهناك ترى العبد الضعيف، الذي فوض أمره لسيده، قد قام بأمور لا تقوم بها أمة من الناس، وقد سهل الله [عليه] (١) ما كان يصعب على فحول الرجال وبالله المستعان.
(١) زيادة من: ب.


الصفحة التالية
Icon