﴿٤٧ - ٥٠﴾ ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾.
يخبر تعالى عن تخاصم أهل النار، وعتاب بعضهم بعضًا واستغاثتهم بخزنة النار، وعدم الفائدة في ذلك فقال: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ﴾ يحتج التابعون بإغواء المتبوعين، ويتبرأ المتبوعون من التابعين، ﴿فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ﴾ أي: الأتباع للقادة ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ على الحق، ودعوهم إلى ما استكبروا لأجله. ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ أنتم أغويتمونا وأضللتمونا وزينتم لنا الشرك والشر، ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ﴾ أي: ولو قليلا.
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ مبينين لعجزهم ونفوذ الحكم الإلهي في الجميع: ﴿إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ وجعل لكل قسطه من العذاب، فلا يزاد في ذلك ولا ينقص منه، ولا يغير ما حكم به الحكيم.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ﴾ من المستكبرين والضعفاء ﴿لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ لعله تحصل بعض الراحة.
فـ ﴿قَالُوا﴾ لهم موبخين ومبينين أن شفاعتهم لا تنفعهم، ودعاءهم لا يفيدهم شيئًا: ﴿أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ التي تبينتم بها الحق والصراط المستقيم، وما يقرب من الله وما يبعد منه؟
﴿قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ﴾.
﴿قَالُوا بَلَى﴾ قد جاءونا بالبينات، وقامت علينا حجة الله البالغة فظلمنا وعاندنا الحق بعد ما تبين. ﴿قَالُوا﴾ أي: الخزنة لأهل النار، متبرئين من الدعاء لهم والشفاعة: ﴿فَادْعُوا﴾ أنتم ولكن هذا الدعاء هل يغني شيئا أم لا؟
قال تعالى: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ﴾ أي: باطل لاغ، لأن الكفر محبط لجميع الأعمال صادّ لإجابة الدعاء.
﴿٥١ - ٥٢﴾ ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.
لما ذكر عقوبة آل فرعون في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة، وذكر حالة أهل النار الفظيعة، الذين نابذوا رسله وحاربوهم، قال: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي: بالحجة والبرهان والنصر، في الآخرة بالحكم لهم ولأتباعهم بالثواب، ولمن حاربهم بشدة العقاب.
﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ حين يعتذرون ﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ أي: الدار السيئة التي تسوء نازليها.
﴿٥٣ - ٥٥﴾ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ﴾.
لما ذكر -[٧٤٠]- ما جرى لموسى وفرعون، وما آل إليه أمر فرعون وجنوده، ثم ذكر الحكم العام الشامل له ولأهل النار، ذكر أنه أعطى موسى ﴿الْهُدَى﴾ أي: الآيات، والعلم الذي يهتدي به المهتدون. ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ أي: جعلناه متوارثًا بينهم، من قرن إلى آخر، وهو التوراة، وذلك الكتاب مشتمل على الهدى الذي هو: العلم بالأحكام الشرعية وغيرها، وعلى التذكر للخير بالترغيب فيه، وعن الشر بالترهيب عنه، وليس ذلك لكل أحد، وإنما هو ﴿لأولِي الألْبَابِ﴾
﴿فَاصْبِرْ﴾ يا أيها الرسول كما صبر من قبلك من أولي العزم المرسلين. ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ أي: ليس مشكوكًا فيه، أو فيه ريب أو كذب، حتى يعسر عليك الصبر، وإنما هو الحق المحض، والهدى الصرف، الذي يصبر عليه الصابرون، ويجتهد في التمسك به أهل البصائر.
فقوله: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ من الأسباب التي تحث على الصبر على طاعة الله وعن ما يكره الله.
﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ المانع لك من تحصيل فوزك وسعادتك، فأمره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب، وبالاستغفار الذي فيه دفع المحذور، وبالتسبيح بحمد الله تعالى خصوصًا ﴿بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ﴾ اللذين هما أفضل الأوقات، وفيهما من الأوراد والوظائف الواجبة والمستحبة ما فيهما، لأن في ذلك عونًا على جميع الأمور.


الصفحة التالية
Icon