﴿٢٠﴾ ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾.
يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون فيقال لهم: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾ حيث اطمأننتم إلى الدنيا، واغتررتم بلذاتها ورضيتم بشهواتها وألهتكم طيباتها عن السعي لآخرتكم وتمتعتم تمتع الأنعام السارحة فهي حظكم من آخرتكم، ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ أي: العذاب الشديد الذي يهينكم ويفضحكم بما كنتم تقولون على الله غير الحق، أي: تنسبون الطريق الضالة التي أنتم عليها إلى الله وإلى حكمه وأنتم كذبة في ذلك، ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ أي: تتكبرون عن طاعته، فجمعوا بين قول الباطل والعمل بالباطل والكذب على الله بنسبته إلى رضاه والقدح في الحق والاستكبار عنه فعوقبوا أشد العقوبة.
﴿٢١-٢٦﴾ ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ﴾ إلى آخر القصة (١)
أي: ﴿وَاذْكُرْ﴾ بالثناء الجميل ﴿أَخَا عَادٍ﴾ وهو هود عليه السلام، حيث كان من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه وإرشاد الخلق إليه.
﴿إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ﴾ وهم عاد ﴿بِالأحْقَافِ﴾ أي: في منازلهم المعروفة بالأحقاف وهي: الرمال الكثيرة في أرض اليمن.
﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ فلم يكن بدعا منهم ولا مخالفا لهم، قائلا لهم: ﴿أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
فأمرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد، ونهاهم عن الشرك والتنديد وخوفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشديد فلم تفد فيهم تلك الدعوة.
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾ أي: ليس لك من القصد ولا معك من الحق إلا أنك حسدتنا على آلهتنا فأردت أن تصرفنا عنها.
﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ وهذا غاية الجهل والعناد.
﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ فهو الذي بيده أزمة الأمور ومقاليدها وهو الذي يأتيكم بالعذاب إن شاء. ﴿وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ أي: ليس علي إلا البلاغ المبين، ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشديدة، فأرسل الله عليهم العذاب العظيم وهو الريح التي دمرتهم وأهلكتهم.
ولهذا قال: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أي: العذاب ﴿عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أي: معترضا كالسحاب قد أقبل على أوديتهم التي تسيل فتسقي نوابتهم ويشربون من آبارها وغدرانها.
﴿قَالُوا﴾ مستبشرين: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ أي: هذا السحاب سيمطرنا.
قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾ أي: هذا الذي جنيتم به على أنفسكم حيث قلتم: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ ﴿رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ تمر عليه من شدتها ونحسها.
فسلطها الله عليهم ﴿سبع ليالي وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية﴾ [ ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي: بإذنه ومشيئته]. ﴿فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ﴾ قد تلفت مواشيهم وأموالهم وأنفسهم. ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ بسبب جرمهم وظلمهم.
هذا مع أن الله تعالى قد أدر عليهم النعم العظيمة فلم يشكروه ولا ذكروه ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ أي: مكناهم في الأرض يتناولون طيباتها ويتمتعون بشهواتها
-[٧٨٣]-
وعمرناهم عمرا يتذكر فيه من تذكر، ويتعظ فيه المهتدي، أي: ولقد مكنا عادا كما مكناكم يا هؤلاء المخاطبون أي: فلا تحسبوا أن ما مكناكم فيه مختص بكم وأنه سيدفع عنكم من عذاب الله شيئا، بل غيركم أعظم منكم تمكينا فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا جنودهم من الله شيئا.
﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً﴾ أي: لا قصور في أسماعهم ولا أبصارهم ولا أذهانهم حتى يقال إنهم تركوا الحق جهلا منهم وعدم تمكن من العلم به ولا خلل في عقولهم ولكن التوفيق بيد الله. ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ لا قليل ولا كثير، وذلك بسبب أنهم ﴿يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الدالة على توحيده وإفراده بالعبادة.
﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: نزل بهم العذاب الذي يكذبون بوقوعه ويستهزئون بالرسل الذين حذروهم منه.

(١) في ب: ذكر الآيات كاملة إلى قوله تعالى: "وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون".


الصفحة التالية
Icon