﴿٣٠-٣٥﴾ ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾.
يقول تعالى، مخوفًا لعباده: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ﴾ وذلك من كثرة ما ألقي فيها، ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ أي: لا تزال تطلب الزيادة، من المجرمين العاصين، غضبًا لربها، وغيظًا على الكافرين.
وقد وعدها الله ملأها، كما قال تعالى ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ حتى يضع رب العزة عليها قدمه الكريمة المنزهة عن التشبيه، فينزوي بعضها على بعض، وتقول: قط قط، قد اكتفيت وامتلأت.
﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ﴾ أي: قربت بحيث تشاهد وينظر ما فيها، من النعيم المقيم، والحبرة والسرور، وإنما أزلفت وقربت، لأجل المتقين لربهم، التاركين للشرك، صغيره وكبيره، الممتثلين لأوامر ربهم، المنقادين له، ويقال لهم على وجه التهنئة: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ أي: هذه الجنة وما فيها، مما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، هي التي وعد الله كل أواب أي: رجاع إلى الله، في جميع الأوقات، بذكره وحبه، والاستعانة به، ودعائه، وخوفه، ورجائه.
﴿حَفِيظٍ﴾ أي: يحافظ على ما أمر الله به، بامتثاله على وجه الإخلاص والإكمال له، على أكمل (١) الوجوه، حفيظ لحدوده.
﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ أي: خافه على وجه المعرفة بربه، والرجاء لرحمته ولازم على -[٨٠٧]- خشية الله في حال غيبه أي: مغيبه عن أعين الناس، وهذه هي الخشية الحقيقية، وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم، فقد تكون رياء وسمعة، فلا تدل على الخشية، وإنما الخشية النافعة، خشية الله في الغيب والشهادة ويحتمل أن المراد بخشية الله بالغيب كالمراد بالإيمان بالغيب وأن هذا مقابل للشهادة حيث يكون الإيمان والخشية ضروريًا لا اختياريًا حيث يعاين العذاب وتأتي آيات الله وهذا هو الظاهر (٢).
﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ أي: وصفه الإنابة إلى مولاه، وانجذاب دواعيه إلى مراضيه، ويقال لهؤلاء الأتقياء الأبرار: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ﴾ أي: دخولا مقرونًا بالسلامة من الآفات والشرور، مأمونًا فيه جميع مكاره الأمور، فلا انقطاع لنعيمهم، ولا كدر ولا تنغيص، ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ الذي لا زوال له ولا موت، ولا شيء من المكدرات.
﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا﴾ أي: كل ما تعلقت به مشيئتهم، فهو حاصل فيها ولهم فوق ذلك ﴿مَزِيدٌ﴾ أي: ثواب يمدهم به الرحمن الرحيم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأعظم ذلك، وأجله، وأفضله، النظر إلى وجه الله الكريم، والتمتع بسماع كلامه، والتنعم بقربه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
(٢) من قوله: ويحتمل إلى: هذا هو الظاهر ليس في ب.