﴿١٢-١٥﴾ ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾
يقول تعالى -مبينا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامة-: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ أي: إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بأيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة، فيقال: ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب [محبوب]، ونجوا من كل شر ومرهوب، فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به (١) وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين، قالوا للمؤمنين: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ أي: أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به، لننجو من العذاب، فـ ﴿قِيلَ﴾ لهم: ﴿ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ أي: إن كان ذلك ممكنا، والحال أن ذلك غير ممكن، بل هو من المحالات، ﴿فَضُرِبَ﴾ بين المؤمنين والمنافقين ﴿بِسُورٍ﴾ أي: حائط منيع، وحصن حصين، ﴿لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ وهو الذي يلي المؤمنين ﴿وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ وهو الذي يلي المنافقين، فينادي المنافقون المؤمنين، فيقولون لهم تضرعا وترحما: ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ في الدنيا نقول: ﴿لا إله إلا الله﴾ ونصلي ونصوم ونجاهد، ونعمل مثل عملكم؟ ﴿قَالُوا بَلَى﴾ كنتم معنا في الدنيا، وعملتم [في الظاهر] مثل عملنا، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين، من غير إيمان ولا نية [صادقة] صالحة، بل ﴿فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ﴾ أي: شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا، ﴿وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ﴾ الباطلة، حيث (٢) تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، وأنتم غير موقنين، ﴿حَتَّى -[٨٤٠]- جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ أي: حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة.
﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره.
﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فلو افتديتم بمثل الأرض ذهبا ومثله معه، لما تقبل منكم، ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ أي: مستقركم، ﴿هِيَ مَوْلاكُمْ﴾ التي تتولاكم وتضمكم إليها، ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ النار.
[قال تعالى:] ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ﴾
(٢) كذا في ب، وفي أ: التي.