﴿١١﴾ ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ أي: بعدًا لهم وخسارة وشقاء.
فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانوا ملازمين للسعير، التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم!
﴿١٢﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
لما ذكر حالة الأشقياء الفجار، ذكر حالة السعداء الأبرار (١) فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ أي: في جميع أحوالهم، حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله، فلا يقدمون على معاصيه، ولا يقصرون فيما أمر به (٢) ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم، وإذا غفر الله ذنوبهم؛ وقاهم شرها، ووقاهم عذاب الجحيم، ولهم أجر كبير وهو ما أعده لهم في الجنة، من النعيم المقيم، والملك الكبير، واللذات [المتواصلات]، والمشتهيات، والقصور [والمنازل] العاليات، والحور الحسان، والخدم والولدان.
وأعظم من ذلك وأكبر، رضا الرحمن، الذي يحله الله على أهل الجنان. (٣).
(٢) في ب: ولا يقصرون عما أمرهم به.
(٣) في ب: الذي يحله على ساكني الجنان.
﴿١٣ - ١٤﴾ ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
هذا إخبار من الله بسعة علمه، وشمول لطفه فقال: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ﴾ أي: كلها سواء لديه، لا يخفى عليه منها خافية، فـ ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي: بما فيها من النيات، والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال، التي تسمع وترى؟!
ثم قال -مستدلا بدليل عقلي على علمه-: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه؟! ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا [والخفايا والغيوب]، وهو الذي ﴿يعلم السر وأخفى﴾ -[٨٧٧]- ومن معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من [العبد] على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة.