﴿٣٥ - ٤٠﴾ ﴿هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
أي: هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين، لا ينطقون فيه من الخوف والوجل الشديد، ﴿وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ أي: لا تقبل معذرتهم، ولو اعتذروا: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾
﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ﴾ لنفصل بينكم، ونحكم بين الخلائق، ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ﴾ تقدرون على الخروج من ملكي وتنجون به من عذابي، ﴿فَكِيدُونِ﴾ أي: ليس لكم قدرة ولا سلطان، كما قال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ﴾
ففي ذلك اليوم، تبطل حيل الظالمين، ويضمحل مكرهم وكيدهم، ويستسلمون لعذاب الله، ويبين لهم كذبهم في تكذيبهم ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾
﴿٤١ - ٤٥﴾ ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
لما ذكر عقوبة المكذبين، ذكر ثواب (١) المحسنين، فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [أي:] للتكذيب، المتصفين بالتصديق في أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم، ولا يكونون كذلك إلا بأدائهم الواجبات، وتركهم المحرمات.
﴿فِي ظِلالٍ﴾ من كثرة الأشجار المتنوعة، الزاهية البهية. ﴿وَعُيُونٍ﴾ جارية من السلسبيل، والرحيق وغيرهما، ﴿وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أي: من خيار الفواكه وطيبها، ويقال لهم: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ من المآكل الشهية، والأشربة اللذيذة ﴿هَنِيئًا﴾ أي: من غير منغص ولا مكدر، ولا يتم هناؤه حتى يسلم الطعام والشراب من كل آفة ونقص، وحتى يجزموا أنه غير منقطع ولا زائل، ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فأعمالكم هي السبب الموصل لكم إلى هذا النعيم (٢) المقيم، وهكذا كل من أحسن في عبادة الله وأحسن إلى عباد الله، ولهذا قال: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ولو لم يكن لهم من هذا الويل إلا فوات هذا النعيم، لكفى به حرمانا وخسرانا (٣).

(١) في ب: ثواب.
(٢) في ب: إلى جنات النعيم.
(٣) في ب: حزنا وحرمانا.

﴿٤٦ - ٥٠﴾ ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾.
هذا تهديد ووعيد للمكذبين، أنهم وإن أكلوا في الدنيا وشربوا وتمتعوا باللذات، وغفلوا عن القربات، فإنهم مجرمون، يستحقون ما يستحقه المجرمون، فستنقطع عنهم اللذات، وتبقى عليهم التبعات، ومن إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة التي هي أشرف العبادات، وقيل لهم: ﴿ارْكَعُوا﴾ امتنعوا من ذلك.
فأي إجرام فوق هذا؟ وأي تكذيب يزيد على هذا؟ "
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ومن الويل عليهم أنهم تنسد عليهم أبواب التوفيق، ويحرمون كل خير، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن الكريم، الذي هو أعلى مراتب الصدق واليقين على الإطلاق.
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ أبالباطل الذي هو كاسمه، لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل؟ أم بكلام كل مشرك كذاب أفاك مبين؟.
فليس بعد النور المبين إلا دياجى -[٩٠٦]- الظلمات، ولا بعد الصدق الذي قامت الأدلة والبراهين على صدقه إلا الكذب الصراح والإفك المبين (١)، الذي لا يليق إلا بمن يناسبه.
فتبا لهم ما أعماهم! وويحا لهم ما أخسرهم وأشقاهم!
نسأل الله العفو والعافية [إنه جواد كريم. تمت].
(١) في ب: الذي قامت عليه الأدلة والبراهين القاطعة إلا الإفك الصراح والكذب المبين.


الصفحة التالية
Icon