﴿٣١ - ٣٦﴾ ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا﴾.
لما ذكر حال المجرمين ذكر مآل المتقين فقال: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾ أي: (١) الذين اتقوا سخط ربهم، بالتمسك بطاعته، والانكفاف عما يكرهه (٢) فلهم مفاز ومنجي، وبعد عن النار. وفي ذلك المفاز لهم ﴿حَدَائِقَ﴾ وهي البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية، في الثمار التي تتفجر بين خلالها الأنهار، وخص الأعناب لشرفها وكثرتها في تلك الحدائق.
ولهم فيها زوجات على مطالب النفوس ﴿كَوَاعِبَ﴾ وهي: النواهد اللاتي لم تتكسر ثديهن من شبابهن، وقوتهن ونضارتهن (٣).
﴿والأتْرَاب﴾ اللاتي على سن واحد متقارب، ومن عادة الأتراب أن يكن متآلفات متعاشرات، وذلك السن الذي هن فيه ثلاث وثلاثون سنة، في أعدل سن الشباب (٤).
﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ أي: مملوءة من رحيق، لذة للشاربين، ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ أي: كلاما لا فائدة فيه ﴿وَلا كِذَّابًا﴾ أي: إثما.
كما قال تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾
(٢) في ب: عن معصيته.
(٣) كذا في ب، وفي أ: وهي الناهد التي لم ينكسر ثديها من شبابها ونضارتها وقوتها.
(٤) في ب: أعدل ما يكون من الشباب.
وإنما أعطاهم الله هذا الثواب الجزيل [من فضله وإحسانه]. ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ﴾ لهم ﴿عَطَاءً حِسَابًا﴾ أي: بسبب أعمالهم التي وفقهم الله لها، وجعلها ثمنا لجنته ونعيمها (١).
-[٩٠٨]-
﴿٣٧ - ٤٠﴾ ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾.
أي: الذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ الذي خلقها ودبرها ﴿الرَّحْمَنِ﴾ الذي رحمته وسعت كل شيء، فرباهم ورحمهم، ولطف بهم، حتى أدركوا ما أدركوا.
ثم ذكر عظمته وملكه العظيم يوم القيامة، وأن جميع الخلق كلهم ذلك اليوم ساكتون لا يتكلمون و ﴿لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾ إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين: أن يأذن الله له في الكلام، وأن يكون ما تكلم به صوابا، لأن ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ﴾ هو ﴿الْحَقُّ﴾ الذي لا يروج فيه الباطل، ولا ينفع فيه الكذب، وفي ذلك اليوم ﴿يَقُومُ الرُّوحُ﴾ وهو جبريل عليه السلام، الذي هو أشرف الملائكة (٢) ﴿وَالْمَلائِكَةُ﴾ [أيضا يقوم الجميع] ﴿صَفًّا﴾ خاضعين لله ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ﴾ إلا بما أذن لهم الله به (٣).
فلما رغب ورهب، وبشر وأنذر، قال: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا﴾ أي: عملا وقدم صدق يرجع إليه يوم القيامة.
﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ لأنه قد أزف مقبلا وكل ما هو آت فهو قريب.
﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ أي: هذا الذي يهمه ويفزع إليه، فلينظر في هذه الدنيا إليه (٤)، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ الآيات.
فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم.
نسأل الله أن يعافينا من الكفر والشر كله، إنه جواد كريم.
تم تفسير سورة عم، والحمد لله رب العالمين
تفسير سورة النازعات
وهي مكية
(٢) في ب: أفضل الملائكة.
(٣) في ب: إلا بإذنه.
(٤) فلينظر في هذه الدار ما قدم لدار القرار.