واحد، وهو هذا المصحف الإمام. قال: واستوسقت له الأمَّة على ذلك؛ بل أطاعت ورأت أن فيما فعله "من ذلك"١ الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التى عزم عليها إمامها العادل فى تركها، طاعة منها له، ونظرا منها لأنفسها ولمن بَعْدَهَا من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، "وتعفَّت"٣ آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها؛ لدثورها وعُفُوّ آثارها، إلى أن قال:
فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمرهم بقراءتها؟
قيل: ان أمره أياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفَرْضٍ، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم، لوجب أن يكون العمل بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من تقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفى تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا فى القراءة بها مخيَّرين، إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة فى رفع حرف ونصبه وجره، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فعن معنى قول النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف" بمعزل؛ لأن المِرَاءَ فى مثل هذا ليس بكفر فى قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمراء فى الأحرف السبعة الكفر، كما تَقَدَّمَ٣.

١ ساقط من "أ".
٢ في "أ": "وانعفت".
٣ هذا كله من كلام ابن جرير، لم ينقله المصنِّف بلفظه، بل تَصَرَّفَ فيه.


الصفحة التالية
Icon