ولكن الحافظ ابن كثير يلزم جانب الحق والعدل، ولا يرضى بالظلم، ولو كان ظاهره الانتقام والثأر للمسلمين، فيقول: "وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية، إلى نائب السلطنة، يمسك النصارى من الشام جملة واحدة، وأن يأخذ منهم ربع أموالهم، لعمارة ما خرب من الإسكندرية، ولعمارة مراكب تغزو الإفرنج، فأهانوا النصارى، وطُلِبُوا من بيوتهم بعنف، وخافوا أن يقتلوا، ولم يفهموا ما يراد بهم، فهربوا كل مهرب. "ولم تكن هذه الحركة شرعية، ولا يجوز اعتمادها شرعًا". وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر -أي: سنة ٧٦٧- إلى الميدان الأخضر، للاجتماع بنائب السلطنة، وكان اجتماعنا بعد العصر يومئذ، بعد الفراغ من لعب الكرة، فرأيت منه أنسًا كبيرًا، ورأيته كامل الفهم، حسن العبارة، كريم المجالسة. "فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى" -يعني المرسوم بالمصادرة، فقال: إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك! فقلت: له هذا مما لا يسوغ شرعًا، ولا يجوز لأحد أن يفتي بهذا، ومتى كانوا باقين على الذمة، يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار، وأحكام الملة قائمة، لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد الفرد فوق ما يبذلونه من الجزية، ومثل هذا لا يخفى على الأمير"! فقال: كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك؟ ولا يمكنني أن أخالفه؟ ثم ذكر أن نائب السلطنة كتب بذلك إلى الديار المصرية، ولكن هذا النائب لم يكن عند قوله، فنفذ المرسوم، و"طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه، وهم قريب من أربعمائة، فحلفهم: كم أموالكم؟ وألزمهم بأداء الربع من أموالهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون". وكانت هذا المصادرة الظالمة في شهر ربيع الأول سنة ٧٦٧، ثم قال الحافظ -في حوادث شهر ربيع الآخر: "وفي أوائل هذا الشهر ورد المرسوم الشريف السلطاني، بالرد على نساء النصارى، ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم أخذها منهم"، وإن