من الثلاث ما أظنه يذكر شيئًَا "كالحلم"، ولا أبعد من الحلم ولا أقرب، فهو حين موت أبيه قد جاوز الثالثة -في أكبر ظني، ولذلك أرجِّح أن مولده كان في سنة ٧٠٠ أو قبلها بقليل، وهو أقرب إلى الصحة من قول الحافظ ابن حجر: "أو بعدها بقليل"؛ لأن الذي "بعدها" لا يكاد يبلغ الثالثة عند موت أبيه.
وكان أبوه "الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير" من العلماء الفقهاء الخطباء، وُلِدَ -كما قال ابنه- في حدود سنة ٦٤٠، وترجم له ابنه الحافظ في تاريخه الكبير "البداية والنهاية"، ج١٤ ص٣١- ٣٣، ومما قال في ترجمته: "اشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى؛ فقرأ "البداية" في مذهب أبي حنيفة، وحفظ "جمل الزَّجَّاجي"، وعني بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب، حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي وقليل من الهجاء، وقرر بمدارس بصرى بِمَبْرَكِ الناقة شماليّ البلدة، حيث يُزَار، وهو المبْرَك المشهور عند الناس١! والله أعلم بصحة ذلك، ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقيّ بُصْرَى، وتمذهب للشافعي، وأخذ عن النواوي والشيخ تقي الدين الفزاري -وكان يكرمه ويحترمه، فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني، فأقام بها نحو من ١٢ سنة، ثم تحول إلى خطابة "مجدل": القرية التي منها الوالدة، فأقام بها مدة طويلة، في خير وكفاية وتلاوة كثيرة، وكان يخطب جيدًا، وله مقول عند الناس، ولكلامه وقع؛ لديانته وفصاحته وحلاوته، وكان يؤثر الإقامة في البلاد٢، لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله. وقد وُلِدَ له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها؛ أكبرهم: إسماعيل، ثم يونس،

١ يريد هؤلاء الناس -فيما يزعمون: مَبْرَك ناقة صالح -عليه السلام.
٢ يعني: القرى.


الصفحة التالية
Icon