أشياء كما ذكر المعترض وشيء خامس تركه وهو المراد وهي هذه الجملة بشرط وجودها في الذهن بألفاظ مخيلة ذهنية دالة على معانيها في النفس وهذا يعنونه بالكلام النفسي فلا محذور «ونقول» على سبيل التفصيل «أما الأول» فجوابه أنه إنما تتم المخالفة إذا لم يكن عندهم مجموع اللفظ النفسي والمعنى فحيث كان لا مخالفة لأن الكلام حينئذ مركب من الحروف إلا أنها نفسية غيبية في الحق- خيالية في الخلق «وأما الثاني» فجوابه أن هذا الذي لا يحصى ليس فيه سوى أن الحق سبحانه وتعالى متكلم بكلام حروفه عارضة للصوت لا أنه لا يتكلم إلا به فلا ينتهض ما ذكر حجة على الشيخ بل إذا أمعنت النظر رأيت ذلك حجة له حيث بين ان الله تعالى لا يتكلم بالوحي لفظا حقيقيا إلا على طبق ما في علمه وكلما كان كذلك كان الكلام اللفظي صورة من صور الكلام النفسي ودليلا من أدلة ثبوتها وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب: ٤].
«وأما الثالث» فجوابه أن المنعوت بأنه واحد بالذات تتعدد تعلقاته هو الكلام بمعنى صفة المتكلم ووحدته مما لا شك لعاقل فيها- وأما الكلام النفسي بمعنى المتكلم به فليس عنده واحدا بل نص في الإبانة على انقسامه إلى الخبر والأمر والنهي في الأزل فلا اعتراض- وقال النجم سليمان الطوفي: إنما كان الكلام حقيقة في العبارة مجازا في مدلولها لوجهين «أحدهما» أن المتبادر إلى فهم أهل اللغة من إطلاق الكلام إنما هو العبارة والمبادرة دليل الحقيقة «الثاني» أن الكلام مشتق من الكلم لتأثيره في نفس السامع والمؤثر فيها إنما هو العبارات لا المعاني النفسية بالفعل- نعم هي مؤثرة للفائدة بالقوة، والعبارة مؤثرة بالفعل فكانت أولى بأن تكون حقيقة والأخرى مجازا- وقال المخالفون:
استعمل لغة في النفسي والعبارة «قلنا» نعم لكن بالاشتراك أو بالحقيقة فيما ذكرناه وبالمجاز فيما ذكرتموه والأول ممنوع- قالوا الأصل في الإطلاق الحقيقة قلنا والأصل عدم الاشتراك- ثم أن لفظ الكلام أكثر ما يستعمل في العبارات والكثرة دليل الحقيقة- وأما قوله تعالى: يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ [المجادلة: ٨] فمجاز دل على المعنى النفسي بقرينة «في أنفسهم» ولو أطلق لما فهم إلا العبارة، وأما قوله تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ [الملك: ١٣] الآية فلا حجة فيه لأن الإسرار خلاف الجهر وكلاهما عبارة عن أن يكون أرفع صوتا من الآخر- وأما بيت الأخطل فالمشهور أن البيان- وبتقدير أن يكون الكلام فهو مجاز عن مادته وهو التصورات المصححة له إذ من لم يتصور ما يقول لا يوجد كلاما ثم هو مبالغة من هذا الشاعر بترجيح الفؤاد على اللسان انتهى وفيه ما لا يخفى.
أما أولا فلأن ما ادعاه من التبادر إنما هو لكثرة استعماله في اللفظي لمسيس الحاجة إليه لا لكونه الموضوع له خاصة بدليل استعماله لغة وعرفا في النفسي والأصل في الإطلاق الحقيقة- وقوله والأصل عدم الاشتراك قلنا: نعم إن أردت به الاشتراك اللفظي ونحن لا ندعيه وإنما ندعي الاشتراك المعنوي وذلك أن الكلام في اللغة بنقل النحويين ما يتكلم به قليلا كان أو كثيرا حقيقة أو حكما «وأما ثانيا» فلأن ما ادعاه من أن المؤثر في نفس السامع إنما هو العبارات لا المعاني النفسية الأمر فيه بالعكس بدليل أن الإنسان إذا سمع كلاما لا يفهم معناه لا تؤثر ألفاظه في نفسه شيئا وقد يتذكر الإنسان في حالة سروره كلاما يحزنه- وفي حالة حزنه كلاما يسره فيتأثر بهما ولا صوت ولا حرف هناك وإنما هي حروف وكلمات مخيلة نفسية وهو الذي عناه الشيخ بالكلام النفسي وعلى هذا فالسامع في قولهم- لتأثيره في نفس السامع ليس بقيد والتأثير في النفس مطلقا معتبر في وجه التسمية «وأما ثالثا» فلأن ما قاله في قوله تعالى:
يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ من أنه مجاز دل على المعنى النفسي فيه بقرينة فِي أَنْفُسِهِمْ ولو أطلق لما فهم إلا العبارة يرده قوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ [آل عمران: ١٦٧] وفي آية بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: ١١] إذ لو كان مجرد ذكر «في أنفسهم» قرينة على كون القول مجازا في النفسي لكان ذكر «بأفواههم- وبألسنتهم» قرينة على


الصفحة التالية
Icon