الكثيرة منها والضابط العرف ولا يخفى أن ما ورد من أخبار الغيب في القرآن مما يعد في نظر أهل العرف كثيرا لا تعتاد الإصابة فيه بجملته «وأما الثاني» فلأن أخبار المنجمين ما كان كاذبا منها لا احتجاج وما كان صادقا وتكررت الإصابة فيه كالكسوف والخسوف غير وارد لأنه من الحساب المعتاد لمن يتعاطى صناعة التنجيم وأخبار القرآن بالغيوب ليست كذلك وأما أخبار الكهنة فالقول فيها كما في السحر.
«وأما الثالث» فلأن ما في التوراة من الأخبار بالغيب إن كان كثيرا خارقا للعادة ووقع التحدي به فهو أيضا معجز وآية صدق لمن أتى به ولا يضرنا التزام ذلك «وأما الرابع» فلأنه لا يرد على من يقول وجه الإعجاز مجموع ما تقدم أصلا. ومن يقول وجهه مجرد الإخبار بالغيب يقول بأن الخالي من ذلك غير معجز وإنما الإعجاز في القرآن بجملته ويكفي ذلك في غرضه، والاعتراض على كون وجه الإعجاز عدم التناقض والاختلاف مع الطول والامتداد بوجهيه مدفوع «أما الأول» فلأن اشتمال القرآن على الشعر قد سبق جوابه فلا يناقض وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [يس: ٦٩] وأما الآيتان الأوليتان فقد أجاب عنهما ابن عباس حين سأله رجل عن آيات من هذا القبيل بأن نفى المسألة قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد، والسدي بأن نفى المسألة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عداها وابن مسعود بأن المسألة المنفية طلب بعضهم العفو من بعض والمثبتة على ظاهر معناها فلا منافاة. وأما الآيتان الأخريتان فمعنى الأولى منهما وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [الإسراء: ٩٤، الكهف: ٥٥] إلا إرادة الله أن تأتيهم سنة الأولين من نحو الخسف أو يأتيهم العذاب قبلا في الآخرة ولا شك أن إرادة الله تعالى مانعة من وقوع ما ينافي المراد، فهذا حصر في السبب الحقيقي. ومعنى الثانية «وما منع الناس أن يؤمنوا» إلا استغراب بعثة البشر رسولا وهو مدلول القول التزاما والدال لا يناسب المانعية والمدلول ليس مانعا حقيقيا بل عادي لجواز وجود الإيمان معه فهو حصر في المانع العادي فلا تناقض وسيأتي لهذا إن شاء الله تعالى زيادة تحقيق.
وكذا لأمثاله مما يضيق عنه هذا المبحث، وأما الاختلاف المذكور فليس هو المنفي في قوله تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: ٨٢] لأن المراد به أحد أمرين، الأول الاختلاف المناقض للبلاغة، والثاني الاختلاف فيما أخبر عنه من قصص الماضين وسير الأولين مع أمية من جاء به وعدم دراسته للعلوم ومطالعته للكتب ولا شك أنه لم يوجد في القرآن شيء من هذه الاختلافات على أن أمثال بعض ما ذكر من الاختلاف ليس بقرآن لأنه لم يتواتر وأمثال البعض الآخر اختلاف مقال لاختلاف الأحوال، والمرجع إلى جوهر واحد وهو التراب في خلق آدم مثلا ومنه تدرجت تلك الأحوال وأي ضرر في ذلك، وأما التكرار اللفظي والمعنوي فلا يخلو عن فائدة لا تحصل من غير تكرار كبيان اتساع العبارة وإظهار البلاغة وزيادة التأكيد والمبالغة إلى غير ذلك مما قد أمعن المفسرون في تحقيقه وبيانه وستراه بحوله تعالى، وأما ما يتوهم فيه أنه من قبيل إيضاح الواضحات فليس يخلو عن درء احتمال ورفع خيال، فإنه لو لم يقل فيما ذكر من الآية تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [البقرة: ١٩٦] لتوهم ولو على بعد أن المراد وتمام سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ [البقرة: ١٩٦] بل في ذلك غير هذا أسرار ستأتيك بعون باريك، وأما قول عثمان إن في القرآن لحنا إلخ فهو مشكل جدا إذ كيف يظن بالصحابة أولا اللحن في الكلام فضلا عن القرآن وهم هم ثم كيف يظن بهم ثانيا اجتماعهم على الخطأ وكتابته ثم كيف يظن بهم ثالثا عدم التنبه والرجوع ثم كيف يظن بعثمان عدم تغييره وكيف يتركه لتقيمه العرب وإذا كان الذين تولوا جمعه لم يقيموه وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم فلعمري إن هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة.
فالحق إن ذلك لا يصح عن عثمان والخبر ضعيف مضطرب منقطع. وقد أجابوا عنه بأجوبة لا أراها تقابل مؤنة


الصفحة التالية
Icon