أخرى فيفيد الاختصاص لا سيما عند القائل بمفهوم الصفة فيشعر بأن من لم يتصف بذلك خارج عن الدائرة والاقتصار هنا ليس كالاقتصار هناك والتخلص بتقدير التركيب مستعينا باسم الله لأنه الرحمن الرحيم اقرأ فيه ما لا يخفى على الطبع السليم، وفي تقديم الحادث تعقلا وحذفه ذكرا وعدم وجود شيء في الظاهر مستقلا سوى الاسم القديم رمز خفي إلى تقديم الأعيان الثابتة في العلم وإن لم يكن على وجود الله تعالى إذ له جل شأنه التقدم المطلق وعدم ظهور شيء سواه وكل شيء هالك إلا وجهه، وللإشارة إلى أنه لا ضرر في ذلك ارتكب، والتبرك كالوجوب يقتضي التقدم بالذكر مكسورا لا مضموما وها هو كما ترى ومن الأكابر من قال ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله تعالى فيه ولا حلول وقد عد أكمل من الأول والمراتب أربع وتحنيك الرحمة يغني عن كل در ويفطم طفل الذهن عن ثدي جواري الفكر وكأن من قدر العامل مؤخرا رأى بسم الله مجراها، وباسمك ربي وضعت جنبي وأمثالهما فجرى مجراها والفرق ظاهر للناظر وهذا من نسائم الأسحار فتيقظ له ونم عن غيره.
والظرف مستقر عند بعض ولغو عند آخرين وقد اختلف في تفسيرهما، فقيل اللغو ما يكون عامله مذكورا، والمستقر ما يكون عامله محذوفا مطلقا وقيل المستقر ما يكون عامله عاما (١) كالحصول والاستقرار وهو مقدر واللغو بخلافه، وقيل اللغو ما يكون عامله خارجا عن الظرف غير مفهوم منه سواء ذكر أو لا، والمستقر ما فهم منه معنى عامله المقدر الذي هو من الأفعال العامة وكل ذلك اصطلاح وحيث لا مشاحة فيه اختار الأول فيكون الظرف هنا مستقرا كيفما قدر العامل، وإنما كسرت الباء وحق الحروف المفردة أن تفتح لأنها مبنية والأصل في البناء لثقله وكونه مقابلا للإعراب الوجودي السكون لخفته وكونه عدميا إلا أنها من حيث كونها كلمات برأسها مظنة للابتدار وهو بالساكن متعذر أو متعسر كان حقها الفتح إذ هو أخو السكون في الخفة المطلوبة في كثير الدور على الألسنة لامتيازها من بين الحروف بلزوم الحرفية والجر وكل منهما يناسب الكسر، أما الحرفية فلأنها تقتضي عدم الحركة والكسر لقلته إذ لا يوجد في الفعل ولا في غير المنصرف ولا في الحروف إلا نادرا يناسب العدم. وأما الجر فلموافقة حركة الباء أثرها ولا نقض بواو العطف اللازمة للحرفية ولا بكاف التشبيه اللازمة للجر لأن المجموع سبب الامتياز ولم يوجد في كل لكن يبقى النقض واو القسم وتائه ويجاب بأن عملها بالنيابة عن الباء التي هي الأصل في حروفه فكأن الجر ليس أثرا لهما وهذه علل نحوية مستخرجة بعد الوقوع لإبداء مناسبة فلا تتحمل مناقشة لضعفها كما قيل:
عهد الذي أهوى وميثاقه... أضعف من حجة نحوي
فلا نسهر جفن الفكر فيما لها وعليها، وقال بعضهم من باب الإشارة: كسرت الباء في البسملة تعليما للتوصل إلى الله تعالى والتعلق بأسمائه بكسر الجناب والخضوع وذل العبودية فلا يتوصل إلى نوع من أنواع المعرفة إلا بنوع من أنواع الذل والكسر كما أشار إلى ذلك سيدي عمر بن الفارض قدس الله سره الفائض بقوله:
ولو كنت لي من نقطة الباء خفضة... رفعت إلى ما لم تنله بحيله
بحيث ترى أن لا ترى ما عددته... وأن الذي أعددته غير عده
فإن الخفض يقابل الرفع فمن خفضه النظر إلى ذل العبودية، رفعه القدر إلى مشاهدة عز الربوبية، ولا ينال هذا الرفع بحيلة بل هو بمحض الموهبة الإلهية الجليلة، ومن تنزل ليرتفع فتنزله معلول، وسعيه غير مقبول انتهى.

(١) ويسمى مستقرا التقدير معنى الاستقرار اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon