المسمى محصلا عنده ولهذا فضلت الصحابة علينا رضوان الله تعالى عليهم فإنهم حصلوا الذات وحصلنا الأسماء، ولما راعينا الاسم مراعاتهم الذات ضوعف لنا الأجر فللعامل منا أجر خمسين ممن يعمل بعمل الصحابة لا من أعيانهم بل من أمثالهم والحسرة الغيبة التي لم تكن لهم فكان تضعيف على تضعيف (١) فنحن الإخوان وهم الأصحاب وهو صلى الله تعالى عليه وسلم إلينا بالأشواق وما أفرحه بلقاء واحد منا وكيف لا يفرح وقد ورد عليه من كان بالأشواق إليه، وأيضا وجدنا بين الله والرحمن من المناسبة ما ليس بينه وبين الرحيم فلهذا قدم الرحمن على الرحيم. بيان ذلك أما أولا فلاقتران الرحمن بالجلالة في قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء: ١١٠] وقد يشعر هذ الاقتران بجعلهما للذات ولذلك اختار من اختار البدل على النعت وجعلوه إشارة إلى مقام الجمع المرموز إليه بما صح عند القوم من طريق الكشف أن الله تعالى خلق آدم على صورته والرحيم ليس كذلك، وأما ثانيا فلأن في الله وفي الرحمن ألفين ألف الذات وألف العلم والأولى في كل خفية والثانية ظاهرة وإنما خفيت الأولى في الأول لرفع الالتباس في الخط بين الله والإله وفي الثاني على ما عليه أهل الله في رسمه وهو أحد الرسمين عند أهل الرسوم لدلالة الصفات عليهما دلالة ضرورية من حيث قيام الصفة بالموصوف فخفيت الذات وتجلت للعالم الصفات فلم يعرفوا من الإله غيرها والجهل هنا كمال وذلك حقيقة العبودية.

زدني بفرط الحب فيك تحيرا وارحم حشا بلظى هواك تسعرا
فالرحمن مشير إلى الذات وسائر الصفات فالألف الظاهرة واللام والراء إشارة إلى العلم والإرادة والقدرة والحاء والميم والنون إشارة إلى الكلام والسمع والبصر، وشرط هذه الصفات الحياة ولا يتحقق المشروط بدون الشرط فظهرت الصفات السبع بأسرها وخفيت الذات كما ترى وادعى بعض العارفين أن الألف الخفية هنا ظهرت من حيث الجزئية من هذا اللفظ في الشيطان بناء على أخذه من شطن وزيادة الألف فيه للإشارة إلى عموم الرحمة الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فللشيطان أيضا حصة منها ومنها وجوده وبقي سر لا يمكن كشفه ولا كذلك الرحيم إذ ليس فيه إلا ألف العلم ولما كان هذا الاسم مشيرا إلى سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم باعتبار رتبته ظهرت فيه لكونه المرسل إلى الناس كافة فطلب التأييد فأعطيها فظهر بها، وأما ثالثا فقد طال النزاع في تحقيق لفظ الرحمن كما طال في تحقيق لفظ الله حتى توهم أنه ليس بعربي لنفور العرب منه فإنهم لما قيل لهم اعبدوا الله لم يقولوا وما الله ولما قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ولعل سبب ذلك توهمهم التعدد وأنهم خافوا أن يكون المعبود الذي يدلهم عليهم من جنسهم فأنكروه لذلك لا لأنه ليس بعربي، واختلف أيضا في الصرف وعدمه قال ابن الحاجب: النون والألف إذا كانا (٢)
في اسم فشرطه العلمية وفي صفة فانتفاء فعلانة وقيل وجود فعلي، ومن ثمة اختلف في رحمن دون سكران وندمان وبنو أسد يصرفون جميع فعلان لأنهم يقولون في كل مؤنث له فعلانة اهـ وقال في التسهيل واختلف فيما لزم تذكيره كلحيان بمعنى كبير اللحية فمن منعه ألحقه بباب سكران لأنه أكثر ومن حذفه رأى أنه ضعف داعي منعه والأصل الصرف، واختار الزمخشري والشيخ الرضي وابن مالك واستظهره البيضاوي عدم الصرف إلحاقا له بما هو أغلب في بابه لأن الغالب في فعلان صفة فعلى حتى ذكر الإمام (٣) السيوطي أن ما مؤنثه فعلانة لم يجىء إلا أربعة عشر لفظا بل إن فعلان صفة من فعل بالكسر لم يجئ منه ما مؤنثه فعلانة أصلا إلا ما رواه المرزوقي من خشيان
(١) هذا مضمون أثر صح عند الصوفية اهـ منه.
(٢) وهاتان الزيادتان في الصفة مشابهتان لألف التأنيث في عدم قبولها هاء التأنيث فلذا لو قبلتها انصرفت كندمان ندمانة فافهم اهـ منه. [.....]
(٣) أي في شرح الألفية اهـ.


الصفحة التالية
Icon