والجمع للتغليب وخروج غيره لما مر. ولا يضر كون الحمار والخنزير يأتيان الذكور في أمر الاختصاص للندرة أو لإسقاطهما عن حيز الاعتبار، وجوز أن يراد بالعالمين على الوجه الثاني الناس أيضا، وإذا قيل بشمولهم لمن تقدم من العالمين تفيد الآية أنهم أول من سن هذه السنة السيئة كما يفصح عنه قوله تعالى: ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ [الأعراف: ٨٠، العنكبوت: ٢٨].
وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ لأجل استمتاعكم، وكلمة مِنْ في قوله تعالى: مِنْ أَزْواجِكُمْ للبيان إن أريد بما جنس الإناث، ولعل في الكلام حينئذ مضافين محذوفين أي وتذرون إتيان فروج ما خلق لكم أو للتبعيض إن أريد بما العضو المباح من الأزواج. ويؤيده قراءة ابن مسعود «ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم» وحينئذ يكتفي بتقدير مضاف واحد أي وتذرون إتيان ما خلق ويكون في الكلام على ما قيل تعريض بأنهم كانوا يأتون نساءهم أيضا في محاشهن ولم يصرح بإنكاره كما صرح بإنكار إتيان الذكران لأنه دونه في الإثم.
وهو على المشهور عند أهل السنة حرام بل كبيرة، وقيل: هو مباح، وقد تقدم الكلام (١) في ذلك مبسوطا عند الكلام في قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: ٢٢٣] وقيل: ليس في الكلام مضاف محذوف أصلا، والمراد ذمهم بترك ما خلق لهم وعدم الالتفات إليه بوجه من الوجوه فضلا عن الإتيان، وأنت تعلم أن المعنى ظاهر على التقدير، وقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ إضراب انتقالي والعادي المتعدي في ظلمه المتجاوز فيه الحد ومتعلقه مقدر وهو إما عام أو خاص أي بل أنتم قوم متعدون متجاوزون الحد في جميع المعاصي وهذا من جملتها أو متجاوزون عن حد الشهوة حيث زدتم على سائر الناس بل أكثر الحيوانات.
وقيل: متجاوزون الحد في الظلم حيث ظلمتم بإتيان ما لم يخلق للإتيان وترك إتيان ما خلق له، وفي البحر أن تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيما لفعلهم وتنبيها على أنهم مختصمون بذلك كأنه قيل: بل أنتم قوم عادون لا غيركم قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ عن توبيخنا وتقبيح أمرنا أو عما أنت عليه من دعوى الرسالة ودعوتنا إلى الإيمان وإنكار ما أنكرته من أمرنا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ أي من المنفيين من قريتنا المعهودين، وكأنهم كانوا يخرجون من غضبوا عليه بسبب من الأسباب، وقيل: بسبب إنكار تلك الفاحشة من بينهم على عنف وسوء حال، ولهذا هددوه عليه السلام بذلك، وعدلوا عن لنخرجنك الأخصر إلى ما ذكر ولا يخفى ما في الكلام من التأكيد.
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ أي من المبغضين غاية البغض، قال الراغب: يقال قلاه ويقليه فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمي من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة إذا رميتها فكأن المقلو بقذفه القلب من بغضه فلا يقبله. ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة فكأن شدة البغض تقلي الفؤاد والكبد