المانع من أن يكون في غير اللغة العربية ما يؤدي مؤداها بل حكاية القول عنه عليه السلام بهذه الألفاظ يقتضي أنه تكلم في لغته بما يؤدي ذلك ولا بد، وجمع الضمير إن صح أنه لم يكن معه عليه السلام غير امرأته للتعظيم وهو الوجه في تسمية الله تعالى شأنه امرأة موسى عليه السلام بالأهل مع أنه جماعة الأتباع أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ أي بشعلة نار مقبوسة أي مأخوذة من أصلها فقبس صفة شهاب أو بدل منه، وهذه قراءة الكوفيين ويعقوب، وقرأ باقي السبعة والحسن «بشهاب قبس» بالإضافة واختارها أبو الحسن وهي إضافة بيانية لما بينهما من العموم والخصوص كما في ثوب خز فإن الشهاب يكون قبسا وغير قبس، والعدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في سورة طه فلا تدافع بين ما وقع هنا وما وقع هناك، والترديد للدلالة على أنه عليه السلام إن لم يظفر بهما لم يعدم أحدهما بناء على ظاهر الأمر وثقة بسنة الله عز وجل أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبد.
وقيل: يجوز أن يقال الترديد لأن احتياجه عليه السلام إلى أحدهما لا لهما لأنه كان في حال الترحال وقد ضل عن الطريق فمقصوده أن يجد أحدا يهدي إلى الطريق فيستمر في سفره فإن لم يجده يقتبس نارا ويوقدها ويدفع ضرر البرد في الإقامة.
وتعقب بأنه قد ورد في القصة أنه عليه السلام كان قد ولد له عند الطور ابن في ليلة شاتية وظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته فرأى النار فقال لأهله ما قال وهو يدل على احتياجه لهما معا لكنه تحرى عليه السلام الصدق فأتى بأو لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي رجاء أو لأجل أن تستدفئوا بها، والصلاة بكسر الصاد والمد ويفتح بالقصر الدنو من النار لتسخين البدن وهو الدفء ويطلق على النار نفسها أو هو بالكسر الدفء وبالفتح النار فَلَمَّا جاءَها أي النار التي قال فيها إِنِّي آنَسْتُ ناراً وقيل: الضمير للشجرة وهو كما ترى، وما ظنه داعيا ليس بداع لما أشرنا إليه نُودِيَ أي موسى عليه السلام من جانب الطور أَنْ بُورِكَ معناه أي بورك على أن أن مفسرة لما في النداء من معنى القول دون حروفه.
وجوز أن تكون أن المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، ومنعه بعضهم لعدم الفصل بينها وبين الفعل بقد أو السين أو سوف أو حرف النفي وهو مما لا بد منه إذا كانت مخففة لما في الحجة لأبي علي الفارسي أنها لما كانت لا يليها إلا الأسماء استقبحوا أن يليها الفعل من غير فاصل. وأجيب بأن ما ذكر ليس على إطلاقه. فقد صرحوا بعدم اشتراط الفصل في مواضع، منها ما يكون الفعل فيه دعاء فلعل من جوز كونها المخففة هاهنا جعل بُورِكَ دعاء على أنه يجوز أن يدعي أن الفصل بإحدى المذكورات في غير ما استثنى أغلبي لقوله:

علموا أن يؤملون فجادوا قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
وجوز أن تكون المصدرية الناصبة للأفعال وبُورِكَ حينئذ إما خبر أو إنشاء للدعاء. وادعى الرضي أن بورك إذا جعل دعاء فإن مفسرة لا غير لأن المخففة لا يقع بعدها فعل إنشائي إجماعا وكذا المصدرية وهو مخلف لما ذكره النحاة، ودعوى الإجماع ليست بصحيحة، والقول بأن يفوت معنى الطلب بعد التأويل بالمصدر قد تقدم ما فيه، وفي الكشف يمنع عن جعلها مصدرية عدم سداد المعنى لأن بُورِكَ إذ ذاك ليس يصلح بشارة وقد قالوا: إن تصدير الخطاب بذلك بشارة لموسى عليه السلام بأنه قد قضى له أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة وهذا بخلاف ما إذا كان بُورِكَ تفسيرا للشأن اهـ وفيه نظر، وعلى الوجهين الكلام على حذف حرف الجر أي نودي بأن إلخ، والجار والمجرور متعلق بما عنده وليس نائب الفاعل بل نائب الفاعل ضمير موسى عليه السلام، وقيل: هو نائب الفاعل ولا ضمير.


الصفحة التالية
Icon