والتنوين، وفي التحرير أن مثل «من سبا بنبإ» يسمى تجنيس التصريف وهو أن تنفرد كل من الكلمتين بحرف كما في قوله تعالى: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ [غافر: ٧٥]
وحديث: «الخيل معقود بنواصيها الخير».
وقال الزمخشري: إن قوله تعالى: «من سبأ بنبإ» من جنس الكلام الذي سماه المحدثون البديع، وهو من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ بشرط أن يجيء مطبوعا أو يصيغه عالم بجوهر الكلام يحفظ معه صحة المعنى وسداده، ولقد جاء هاهنا زائدا على الصحة فحسن وبدع لفظا ومعنى ألا ترى لو وضع مكان بِنَبَإٍ بخبر لكان المعنى صحيحا، وهو كما جاء أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال اهـ. وهذه الزيادة كون الخبر ذا شأن، وكون النبأ بمعنى الخبر الذي له شأن مما صرح به غير واحد من اللغويين. والظاهر أنه معنى وضعي له. وزعم بعضهم أنه ليس بوضعي وليس بشيء، وقول المحدثين: أنبأنا أحط درجة من أخبرنا غير وارد لأنه اصطلاح لهم. وقرأ الجمهور «فمكث» بضم الكاف، والفتح قراءة عاصم وأبي عمرو في رواية الجعفي وسهل وروح وقرأ أبي «فمكث ثم قال».
وعبد الله «فمكث فقال»، وكلتا القراءتين في الحقيقة على ما في البحر تفسير لا قراءة لمخالفتها سواد المصحف.
وقرىء في السبعة أَحَطْتُ بإدغام التاء في الطاء مع بقاء صفة الإطباق وليس بإدغام حقيقي.
وقرأ ابن محيصن بإدغام حقيقي. واعترض ابن الحاجب القراءة الأولى بأن الإطباق وهو رفع اللسان إلى ما يحاذيه من الحنك للتصويت بصوت الحرف المخرج لا يستقيم إلا بنفس الحرف وهو الطاء هنا والإدغام يقتضي إبدالها تاء وهو ينافي وجود ذلك لأنه يقتضي أن تكون موجودة وغير موجودة وهو تناقض فالتحقيق إن نحو أحطت بالإطباق ليس فيه إدغام ولكنه لما أمكن النطق بالثاني مع الأول من غير ثقل على اللسان كان كالنطق بالمثل بعد المثل فأطلق عليه الإدغام توسعا قاله الطيبي. وفي النشر أن التاء تدغم في الطاء في قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ [هود: ١١٤] وفي التسهيل أنه إذا أدغم المطبق يجوز إبقاء الإطباق وعدمه. وقال سيبويه: كل كلام عربي كذا الحواشي الشهابية فتأمل.
وفي قوله تعالى: أَحَطْتُ إلخ دليل بإشارة النص والإدماج على بطلان قول الرافضة إن الإمام ينبغي أن لا يخفى عليه شيء من الجزئيات، ولا يخفى أنهم إن عنوا بذلك أنه يجب أن يكون الإمام عالما على التفصيل بأحكام جميع الحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها وأن يكون مستحضرا الجواب الصحيح عن كل ما يسأل عنه فبطلان كلامهم في غاية الظهور،
وقد سئل علي كرّم الله تعالى وجهه وهو على منبر الكوفة عن مسألة فقال: لا أدري فقال السائل: ليس مكانك هذا مكان من يقول: لا أدري فقال الإمام علي كرّم الله تعالى وجهه. بلى والله هذا مكان من يقول لا أدري وأما من لا يقول ذلك فلا مكان له
يعني به الله عز وجل وإن عنوا أنه يجب أن يكون عالما بجميع القواعد الشرعية وبكثير من الفروع الجزئية لتلك القواعد بحيث لو حدثت حادثة ولا يعلم حكمها يكون متمكنا من استنباط الحكم فيها على الوجه الصحيح فذاك حق وهو في معنى قول الجماعة يجب أن يكون الإمام مجتهدا. وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله. وقوله تعالى: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ أي تتصرف بهم ولا يعترض عليها أحد استئناف لبيان ما جاء به من النبأ. وتفصيل له إثر إجمال وعنى بهذه المرأة بلقيس (١) بنت شراحيل بن مالك ابن ريان من نسل يعرب بن قحطان، ويقال: من نسل تبع الحميري.

(١) بكسر الباء معرب وهو قبل التعريب بفتحها اه منه.


الصفحة التالية
Icon