أنسب بالمقام، وجوز أن تكون الباء للقسم الاستعطافي على أنها متعلقة بفعل دعاء محذوف، وجملة فلن أكون إلخ متفرعة عليه، والفاء واقعة في جواب الدعاء أو الشرط المقدر أي بحق إنعامك عليّ اعصمني فلم أكون إلخ أو إن عصمتني فلن أكون إلخ والقسم الاستعطافي ما أكد به جملة طلبية نحو قولك بالله تعالى زرني وغير الاستعطافي ما أكد به جملة خبرية نحو والله تعالى لأقومن، وإلى هذا ذهب ابن الحاجب، وقيل: القسم الاستعطافي ما كان المقسم به مشعرا بعطف وحنو نحو بكرمك الشامل أنعم عليّ وهو صادق على ما هنا، وغير الاستعطافي ما كان المقسم به أعم من ذلك، وعلى القولين هما قسمان من مطلق القسم، وظاهر كلام الزمخشري أن المتبادر من القسم ما يؤكد به الكلام الخبري وينعقد منه يمين فما يكون المراد به الاستعطاف قسيم له وجعل بعضهم إطلاق القسم على الاستعطافي تجوزا، ويبعد إرادة الاستعطاف هنا ما
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن موسى عليه السلام لم يستثن أي لم يقل إن شاء الله تعالى فابتلى به
أي بالكون ظهيرا للمجرمين مرة أخرى وهو ما في قوله تعالى: فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ إلخ لأن الاستثناء لا يناسب الاستعطاف لكون النفي معلقا بعصمة الله عز وجل، وجوز أن تكون الباء سببية متعلقة بفعل مقدر يعطف عليه لن أكون إلخ وما موصولة، والمعنى بسبب الذي أنعمته عليّ من القوة أشكرك فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك ولا أدع قبطيا يغلب إسرائيليا وهو إلزام لنفسه بنصرة أوليائه عز وجل كالنذر وليس هناك قسم بوجه خلافا لمن توهم ذلك ولا يخفى أن هذا وإن لم يبعده الأثر لا يخلو عن بعد نظر إلى السباق، و (لن) على جميع الأوجه المذكورة للنفي وفي البحر قيل: إنها للدعاء (١) وحكى ابن هشام رده بأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم بل إلى المخاطب أو الغائب نحو يا رب لاعذبت فلانا، ويجوز لا عذب الله تعالى عمرا ثم قال ويرده قوله:
ثم لا زلت لكم خالدا خلود الجبال، ولا يخفى عليك أن كونها للدعاء على الوجه الأخير في الآية غير ظاهر وعلى الوجه الأول لا يخلو عن خفاء فلعل من جعلها للدعاء حمل بما أنعمت عليّ على الاستعطاف وعلق الجار والمجرور بنحو اعصمني وجعل الفاء تفسيرية ولن أكون إلخ تفسيرا لذلك المحذوف كما قيل: في قوله تعالى:
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا [الأنبياء: ٨٤] فليتدبر، واحتج أهل العلم بهذه الآية على المنع من معونة الظلمة وخدمتهم.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيد الله بن الوليد الرصافي أنه سأل عطاء بن أبي رباح عن أخ له كاتب فقال له: إن أخي ليس له من أمور السلطان شيء إلا أنه يكتب له بقلم ما يدخل وما يخرج فإن ترك قلمه صار عليه دين واحتاج وإن أخذ به كان له فيه غنى قال: لمن يكتب؟ قال: لخالد بن عبد الله القسري قال: ألم تسمع إلى ما قال العبد الصالح رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ فلا يهتم أخوك بشيء وليرم بقلمه فإن الله تعالى سيأتيه برزق، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حنظلة جابر بن حنظلة الضبي الكاتب قال: قال رجل لعامر يا أبا عمرو إني رجل كاتب أكتب ما يدخل وما يخرج آخذ رزقا أستغني به أنا وعيالي قال: فلعلك تكتب في دم يسفك قال: لا. قال: فلعلك تكتب في مال يؤخذ قال: لا. قال: فلعلك تكتب في دار تهدم قال: لا. قال: أسمعت بما قال موسى عليه السلام رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ قال: أبلغت إليّ يا أبا عمرو والله عز وجل لا أخط لهم بقلم أبدا قال والله تعالى لا يدعك الله سبحانه بغير رزق أبدا. وقد كان السلف يجتنبون كل الاجتناب عن خدمتهم، أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سلمة بن نبيط قال بعث عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك فقال:

(١) قوله إنها للدعاء مجيئها للدعاء مذهب جماعة منهم ابن عصفور اه منه.


الصفحة التالية
Icon