قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مبتدأ وخبر أي ذلك الذي قلت وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم وثابت بيننا جميعا لا يخرج عنه واحد منا لا أنا عما شرطت عليّ ولا أنت عما شرطت على نفسك، وقوله سبحانه: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ أي أطولهما أو أقصرهما قَضَيْتُ أي وفيتك بأداء الخدمة فيه فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ تصريح بالمراد وتقرير لأمر الخيار أي لا عدوان كائن عليّ بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين وتعميم انتفاء العدوان بكلا الأجلين بصدد المشارطة مع تحقق عدم العدوان في أطولهما رأسا للقصد إلى التسوية بينهما في الانتفاء أي كما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان أو أيما الأجلين قضيت فلا إثم كائن عليّ كما لا إثم عليّ في قضاء الأطول لا إثم عليّ في قضاء الأقصر فقط.
وقرأ عبد الله «أي الأجلين ما قضيت» فما مزيدة لتأكيد القضاء أي أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له كما أنها في القراءة الأولى مزيدة لتأكيد إبهام أي وشياعها، وجعلها نافية لا يخفى ما فيه وقرأ الحسن، والعباس عن أبي عمرو «أيما» بتسكين الياء من غير تشديد كما في قول الفرزدق:

تنظرت نصرا والسماكين أيهما عليّ من الغيث استهلت مواطره
وأصلها المشددة وحذفت الياء تخفيفا وهي مما عينه واو ولامه ياء، ونص ابن جني على أنها من باب أويت قياسا واشتقاقا وقد نقل كلامه في بيان ذلك العلامة الطيبي في شرح الكشاف فليرجع إليه من شاء.
وقرأ أبو حيوة وابن قطيب «فلا عدوان» بكسر العين وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من الشروط الجارية بيننا وَكِيلٌ أي شهيد على ما روي عن ابن عباس، وقال قتادة: حفيظ، وفي البحر الوكيل الذي وكل إليه الأمر ولما ضمن معنى شاهد ونحوه عدي بعلى ومن هنا قيل: أي شاهد حفيظ، والمراد توثيق العهد وأنه لا سبيل لأحد منهما إلى الخروج عنه أصلا، وهذا بيان لما عزما عليه واتفقا على إيقاعه إجمالا من غير تعرض لبيان مواجب عقدي النكاح والإجارة في تلك الشريعة تفصيلا، وقول شعيب عليه السلام: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إلخ ظاهر في أنه عرض لرأيه على موسى عليه السلام واستدعاء منه للعقد لا إنشاء وتحقيق له بالفعل، ولم يجزم القائلون باتفاق الشريعتين في ذلك بكيفية ما وقع، فقيل لعل النكاح جرى على معينة بمهر غير الخدمة المذكورة وهي إنما ذكرت على طريق المعاهدة لا المعاقدة فكأنه قال: أريد أن أنكحك إحدى ابنتي بمهر معين إذا أجرتني ثماني حجج بأجرة معلومة فما تقول في ذلك فرضي فعقد له على معينة منهما، فلا يرد أن الإبهام في المرأة المزوجة غير صحيح، وعلى الخدمة ومنافع الحر عندنا أيضا خصوصا إذا قيل: إن مدتها غير معينة وهي أيضا ليست للزوجة بل لأبيها فكيف صح كونها مهرا، وقيل: يجوز أن يكون جرى على معينة بمهر الخدمة المذكورة ولا فساد في جعل الرعية مهرا فإنه جائز عند الشافعي عليه الرحمة وكذا عند الحنفية كما يفهم من الهداية ونقل عن صاحب المدارك أنه قال: التزوج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه قيام بأمر الزوجية لا خدمة صرفة، وفي دعوى الإجماع طن أريد به إجماع الأئمة مطلقا بحث، ففي المحيط البرهاني لو تزوجها على أن يرعى غنمها سنة لم يجز على رواية الأصل، وروى ابن سماعة عن محمد أنه يجوز في الرعي، وفي الانتصاف مذهب مالك في ذلك على ثلاثة أقوال المنع والكراهة والجواز، ويقال على الجواز كانت الغنم للمزوجة لا لأبيها وليس في المدة إبهام إذ هي الحجج الثمان والزائدة قد وعد موسى عليه السلام الوفاء به إن تيسر له على أن الإبهام في المهر يجوز كما هو مبين في الفروع، وقال بعضهم: يجوز أن تكون الشرائع مختلفة في أمر الإنكاح فلعل إنكاح المبهمة جائز في شريعة شعيب عليه السلام ويكون التعيين للولي أو للزوج، وكذا جعل خدمة الولي صداقا ونحو ذلك مما لا يجوز في شريعتنا.


الصفحة التالية
Icon